| 18 أيار 2024 | 10 ذو القعدة 1445 هـجرية
  
  
  
الفجر
04:44
الشروق
06:10
الظهر
12:40
العصر
04:17
المغرب
07:10
العشاء
08:31
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0

رحلة عبر الزمن.. بهذه الطرق واجه المسلمون الأوبئة والغلاء والمحن

  2020/03/18   07:22
   ساسة بوست
شارك الخبر مع أصدقائك
طباعة
أضف تعقيب

يقول تقي الدين المقريزي، في بداية كتابه «إغاثة الأمة بكشفِ الغمة» إن الله عندما ينعم على قومٍ يلهمهم معارفَ وعلمًا، ويؤيدهم في أقوالهم، ويسددهم في أفعالهم، حتى بينوا للناس أسباب ما نزل بهم من محن، «وعرفهم كيف الخلاص مما حل بهم من جليل الفتن». وقد سرد المقريزي أخبار المحن والشدائد والمجاعات والأوبئة التي حلت بالمسلمين، وقد كان لكل عصر من عصور الخلافة الإسلامية طريقة مختلفة في محاربة الغلاء والشدائد، حكى عنها المؤرخون والرحالة في مؤلفاتهم، وعنوا بسرد ذكر أحداث السنوات العظام والطقوس التي اتبعها الحكام والشعوب في مواجهة الأوبئة. في السطور التالية، نأخذك عزيزي القارئ في رحلة عبر الزمن – وفق المتاح لنا من كتب التراث والرحلات والتأريخ – إلى مجموعة من الطقوس التي اتبعتها بلاد المسلمين في حقب تاريخية مختلفة، في مواجهة ما مرَّت به من أوبئة، ومحن، وبلاء.

الدعاء في مواجهة «طاعون» مصر ودمشق

شهد الرحالة ابن بطوطة عام 749هـ «الطاعون» الأعظم في دمشق، وقد حكى عنه في ذكر وصف «مسجد الأقدام» الواقع قبلي دمشق. وهو مسجد عظيم يقال إنه يحوي داخله حجرًا عليه وقْع أقدام النبي موسى عليه السلام؛ إذ اجتمع فيه أهل البلد على اختلافهم، ذكورًا وإناثًا، وخرج اليهود ممسكين بتوراتهم والمسيحيون بإنجيلهم، والمسلمون بالمصاحف، والجميع متوجهين إلى مسجد الأقدام، مصلين وذاكرين وداعين الله بزوال الغمة. «أمر ملك الأمراء نائب السلطان أرغون شاه مناديًا ينادي بدمشق، أن يصوم الناس ثلاثة أيام، ولا يطبخون في الأسواق.

كان آخرها يوم الخميس، ثم اجتمع الأمراء والشرفاء والقضاة والفقهاء وسائر الطبقات على اختلافها في الجامع، وباتوا ليلة الجمعة ما بين مصلٍّ وذاكر وداعٍ». *ابن بطوطة يشير ابن بطوطة إلى أن الجميع قد خرجوا باكين متضرعين إلى الله بكتبهم وأنبيائهم، كبارًا وصغارًا، خرجوا على أقدامهم وشاركهم الأمراء حفاة، وأقاموا في المسجد ليلة، وعندما عادوا إلى البلدِ، خفف الله عنهم؛ إذ انحسر عدد الموتى إلى ألفين في اليوم، وذلك في الوقتِ الذي كانت فيه الجثث تلقى في شوارع القاهرة بمقدارِ 24 ألف في اليوم، من جراء تفشي «الموت الأسود». وظل الطاعون يأتي ويذهب على بلاد الشام، مدة 150 عامًا، حتى إن هناك قرى كثيرة ذكرت في سجلات الطابو العثمانية بـ«خراب وخالية».

عن أهوال تلك السنة يذكر ابن تغري بردي في كتابه «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» إنه في سنة 749 بلغ مرض «الطاعون» ذروته في كل أنحاء العالم، وتأثرت البلاد الإسلامية بهذا الوباء الذي فاق وصفه؛ فانتشر الغلاء بفارس، والعراق، وديار بكر، وأذربيجان، وخراسان، وكثر الوباء والفساد في مصر والشام، حتى تساقطت الجثث في الشوارع، واضطر الناس لعمل التوابيت وتغسيل الموتى دون أجرة، وحفروا المقابر، وكان القبر الواحد يدفن فيه أكثر من 43 جثة، وقد عم الغلاء الأرض شرقًا وغربًا.

أما عن ديار مصر، يشير بردي إلى أن الوباء قد اشتد وعظم في شهر رمضان، فنودي في الناس أن يجتمعوا في الجوامع للدعاء، يوم الجمعة، السادس من رمضان، وخرج المصريون إلى المساجد، قنتوا في الصلاة وأكثروا الدعاء، واستمرت قراءة البخاري في الجامع الأزهر عدة أيام. «المشفى» المتنقل لمعالجة الأوبئة «عناية طبية متنقلة»، متخصصة في الطوافِ حول القرى والمدن، لمعالجة ضحايا الأوبئة والكوارث الطبيعية. مشفى متنقل على ظهور الإبلِ، كما وصفه الدكتور إسماعيل راجي في كتابه «أطلس الحضارة الإسلامية»، في قافلة كبيرة تضم الأسّرة، والأطعمة، والماء، والأدوية، وأدوات إجراء العمليات. مجهزة لـ«العزلِ».تضم أطباء وممرضين ومساعدين وخدمًا، مضيفًا: «كان للمستشفى المتنقل امتياز إقامة مرافقة داخل السجون، وذلك للعناية بالمساجين والحراس». كان الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك هو أول من بنى مستشفى في عام 88هـ، بعد ذلك صارت المستشفيات الإسلامية تتخصص في علاج الأمراض العقلية والجسدية، وانقسمت فيها الأمراض إلى قسمين: «أمراض معدية، وأمراض غير معدية»، وقد كان لمدينة بغداد لاحقًا السبق في إنشاء المدارس الطبية، وألحقت بها المستشفيات والعيادات الخارجية من أجل تدريب الطلاب، والمساعدة في إجراء الأبحاث.

كما كانت المستشفيات تبنى وتصان على نفقة الحكومة، أو اعتمادًا على هباتٍ دائمة (الأوقاف)، وتقدم خدماتها للأفراد بالمجان. يشير الدكتور طه عبد المقصود، في كتابه «دراسة في تاريخ العلوم الإسلامية»، إلى أن «البيمارستانات» المتنقلة كانت مزودة بكل ما يحتاجه المرء من الأدوية والأدوات الطبية، وأنها استخدمت أساسًا في الحروب لضرورة معالجة المصابين بسرعة، وتقليل الخسائر، ومن ثم استعانوا بها في الوقاية من انتشار الأوبئة بالمدن والقرى البعيدة، ويضيف عبد المقصود أن الأندلسيين قد انفردوا بتأليف الكتب عن وباء «الطاعون» وأسبابه وأصنافه وعدواه؛ إذ عني علماء الأندلس بالوقاية وحفظ الصحة، وهو ما تناولوه في مؤلفاتهم، كما أعطوا للتجارب أهمية كبيرة، واعتمدوا على المشاهدات والملاحظات. وأكدوا على ممارسي الطب ضرورة الإلمام بعلمِ التشريح، وعلم وظائف الأعضاء، من أمثال ابن رشد في كتابه «الكليات في الطب».

الصوم وصلاة الاستسقاء..

 في ذكر الجفاف وتوقف «النيل» عن الزيادة كانت «صلاة الاستسقاء» طقسًا من طقوس المسلمين في حالة القحط والجفاف؛ إذ يخرج الناس للصلاة في الصحراء، ركعتين كصلاةِ العيد، بلا أذان أو إقامة، إلا أن الإمام يكبر في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسًا، ويرفع يديه حذو منكبيه في كل تكبيرة. وبعد إتمام الصلاة، يخطب الإمام قائمًا خطبتين كما في صلاة العيد. إلا أنه في حالة الاستسقاء يستبدل الإمام بالتكبير الاستغفار. وتكون تلك الصلاة ابتغاءَ رفع البلاء، لهذا يكررها المسلمون في أيام الجفاف؛ حتى «يسقيهم الله»، فإن سقاهم صلوا مرةً ثانية شاكرين. عن حوادث الغلاء والجفاف يذكر ابن تغري بردي في المجلد الرابع عشر من كتابه «النجوم الزاهرة»، أنه في سنة 823هـ توقّف النيل عن الزيادة، ونتج من ذلك غلاء سعر الغلال، فنودي بالقاهرة أن يصوم الناس ثلاثة أيام، ويخرجوا بعدها للصحراء من أجل «الاستسقاء»، وعن ذلك يقول: «صام أغلب الناس وصام السلطان، فلما كان الغد يوم الاثنين، خرج شيخ الإسلام قاضي القضاة، جلال الدين البلقيني، فسار حتى وصل فَمَ الوادي قريبًا من قُبَّةِ النصر، وأقبل الناس عليه أفواجًا».

يحكي ابن تغرى بردي أن شيخ الإسلام قد نصب هناك منبرًا، وقرأ سورة الأنعام، حتى كثر الجمع ومضى من شروق الشمس ساعتان. حينها أقبل السلطان المملوكي الملك المؤيَّد على فرسه، لابسًا ثوبًا من الصوف الأبيض، حيث نزل عن فرسه ووقف للصلاة على يسار المنبر، وقد أمَّ قاضي القضاة المصلين في صلاة الاستسقاء، ثم صعد إلى المنبر وخطب في الناس من أجل التوبة والاستغفار، وفي اليوم التالي نودي على النيل بزيادة 12 إصبعًا، ففرح الناس وتهللوا باستجابة دعائهم. معاقبة «محتكري» الغلال في مواجهة الجوع والغلاء كان غلاء أسعار الغلال أمرًا متكرر الحدوث ما إن تقع الكارثة أو المحنة والبلاء؛ إذ ارتبط الغلاء بأوقاتِ القحط والمجاعة، كما ارتبط بانحسار النيل، وعظم أمره أثناء تفشي الأوبئة، وهو الأمر الذي كان يجعل الأوبئة والمجاعة متلازمين إلى حدٍ كبير، ويأتي ذكرهم في الأحداث التاريخية ذاتها، فيقول المؤرخون: «وانتشرت الأوبئة والمجاعات، وعم الغلاء في الأسواق»، دون ذكر تفاصيل عن كل شدة على حِدَة.

يتفشى المرض وتشح الغلال لقلة الفلاحين، ويصبح الخبز حلمًا صعب المنال؛ فيجوع العامة والفقراء. كان لدولِ الخلافة الإسلامية باعٌ طويل في مواجهة الغلاء؛ إذ انتشرت الأوبئة والمجاعات في فترات مختلفة، وصفوا خلالها المرض في البدء وكأنه كائن غامض يحصد أرواح البشر حين غفلة، «مات وهو يحرث أرضه»، هكذا روى المؤرخون حوادث الوفاة.

وذلك حتى استطاع علماء المسلمين تفسير المرض وكتابة مؤلفات خاصة عن «الطاعون» وقصصه، التي يعد الغلاء جزءًا أساسيًّا منها. يشير تقي الدين المقريزي في ذكر «الغلاء» إلى الحزم الذي تعامل به خلفاء المسلمين في الأوقات التي عزَّ فيها القمح، فلم يستطع أحد أن يشتريه؛ يحكي المقريزي عن «الشدة الكبرى» في عهد المستنصر بالله الفاطمي. فيقول إن امرأةً من أرباب البيوت باعت عقدًا لها قيمته ألف دينار واشترت به تليس من الدقيق – والتليس هو وعاء من الخوص يشبه القُفَّة – فلما أخذته، أعطت بعضًا منه لمن يحميها طول الطريق، وعلى مقربةٍ من باب زويلة تسلّمت التليس من الحماة، تكالب الناس عليها ونهبوها، فأخذت ملء يديها دقيق، عجنته وسوته حتى صار «قُرصة»، ومن ثم خرجت بها بين جمعٍ من الناس ورفعتها قائلة: «ادعوا لمولانا المستنصر الذي أسعد الناس بأيامه، وأعاد عليهم بركات حسن نظره، حتى تقومت هذه القرصة بألف دينار!».

يقول المقريزي إن تلك الحادثة قد تركت أثرًا في نفس الخليفة؛ حتى إنه استدعى الوالي وهدده إن لم يظهر الخبز في الأسواق؛ سيدقُّ عنقه. ويضيف: «جمع الوالي تجار الغلة والخبازين والطحانين، وكان قد أمر بعقدِ مجلسٍ عظيم»، قبل المجلس أحضر الوالي مجموعة من الجُناة المحكوم عليهم «بالإعدام»، وفي حضرة التجار والطحانين أدخل واحدًا واحدًا من الجناة وقد ألبسه ثوبًا فخمًا، ونفذ فيه حكم الإعدام، حتى خاف محتكرو الغلال على حياتهم؛ فوعدوه بأن يعمروا الأسواق بالخبز؛ ويرخصوا الأسعار على الناس. لم تكن تلك هي الحادثة الوحيدة التي ذكرها المقريزي عن معاقبة المحتكرين؛ إذ جاء في ذكر زمن الحاكم بأمر الله أنه كان هناك غلاء في سنة 887، سببه قصور النيل.

يقول: «اشتد خوف الناس، وعظم الأمر، وانتهى سعر الخبز إلى أربعة أرطال بدرهم». فما كان من الخليفة إلا أن جمع المحتكرين من التجار، وأحكم قبضته على ما بحوزتهم من غلال، وأمر ألا تباع إلا للطحانين. وقام بتسعير القمح، «كل تليس بدينار». ولما انحسر النيل مرةً ثانية في زمن الحاكم، وعمَّ الجوع البلاد، خرج الحاكم على ظهر حماره من باب البحر، قائلًا في الناس: «أقسم بالله إن عدت ووجدت في الطريق موضعًا يطؤه حماري مكشوفًا من الغلة، لأضربن رقبة كل من يقال لي إن عنده شيئًا منها، ولأحرقن داره وأنهبن ماله». لم يعد الحاكم إلا بعد انقضاء النهار، فوجد أهل مصر والقاهرة وقد جمعوا ما بقي عندهم من غلة في منازلهم وشوَّنها في الطرقات. وقد وزع الخليفة الغلال على أرباب الغلات؛ آمرًا إياهم بالبيع وفقًا للسعر الذي يقرره. كانت تلك هي الطريقة المتبعة لدى الخلفاء في حالة حدوث محنة الغلاء وشحَّ الخبز؛ إذ يعمل الخليفة على جمع الغلال، ومعاقبة المحتكرين، وتسليع الغلة بما يتناسب مع المقدرة المالية للناس.


من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)

لإضافة تعقيب الرجاء تعبئة البيانات

أضافة

التعليقات