د. فياض شحيبر : المركبات المشبعة بالفلور لا تتحلل بسهولة ولها مخاطر صحية وبيئية كثيرة

*بسبب خاصيتها العالية للتصدي للماء والزيوت تدخل في صناعات كثيرة والإنكشاف لها يسبب أمراض الكبد والبنكرياس والسرطان وأمراض عصبية ويضر بالأجنة في الأرحام وبجودة الحيوانات المنوية *يمكن التعرّض اليها من التراب ومياه الشرب واللحوم والأغذية البحرية والصدفيات وأغلفة المواد الغذائية ومستحضرات التجميل*  

 محمد عوّاد

شارك د. فياض زيدان شحيبر ،مؤخرا، في مؤتمر جمعية التوكسيكولوجيا العالمي(علم المواد المسمة والسمّيات)  للعام 2022 الذي أقيم في مدينة سان دييجو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وقد دارت أعمال المؤتمر حول مخاطر المركبات المشبعة بالفلور على صحة الأنسان والبيئة.  

الدكتور فياض متوج من قبل المجلس الأمريكي للتوكسيكولوجيا وعضو كامل في جمعية التوكسيكولوجيا - Society of Toxicology (SOT) منذ 20 سنة ومحاضر للعلوم البيولوجية في الكلية الاكاديمية العربية للتربية في حيفا، وقد أجرينا معه هذا اللقاء الخاص بالصنارة حول المخاطر الصحية لهذه المواد. 

الصنارة: ماهي مركبات PFAS  التي دارت حولها أعمال جمعية التوكسيكولوجيا؟

د.شحيبر: مركبات ال-  Poly and Perfluoronated Substances (PFAS) هي مركبات متعددة الفلور ومركبات مشبعة بعنصر الفلور وتسمى أيضا "المواد الكيميائية الأبدية" لأنها مواد طويلة العمر ولا تتحلل بسهولة. وقد

تم التعرف على أكثر من 9,100 مركب كيميائي مصنع من ال-PFAS وهي مركبات حامضية  أستخدمت على نطاق واسع قبل أن يتوقف أستعمالها التدريجي طوعيا في عام 2002. ولكن بسبب عمر المركب الذي يصل الى 92 سنة في البشر وتسع سنوات في البيئة من غير أن يتحلل , فأن آثاره تبقى لعقود طويلة.  

تستعمل المركبات متعددة الفلور والمشبعة بالفلور في تصنيع طلاءات البوليمير الفلوري ومنتوجات ذات قدرة على التصدي للحرارة, للزيوت, للشحوم وللماء.  

الصنارة: هل هذه المواد موجودة في الطبيعة وفي أي الصناعات تدخل ؟  

د. شحيبر: هذه المركبات غيرموجودة في البيئة بشكل طبيعي .الأنسان هو الذي صنعها وانتقلت الى النباتات والماء والتربة والأنسان والحيوان. وتستخدم في صناعة العديد من المنتوجات المستهلكة في حياتنا اليومية. قدرتها على التصدي للماء والزيوت جعلتها متعددة  الاستعمالات حيث تدخل في صناعة منتوجات الجوفضائية, ومواد البناء,والمنتوجات الحربية, وأواني الطهي, والسجاد, وأغلفة الأغذية, ومثبطات الحرائق, والألكترونيات . مبناها القوي وغير القابل للتحلل بسهولة يجعلها  تبقى في البيئة وفي أجسامنا وأجسام الكائنات الحية الأخرى الى الأبد تقريبا.  

أماكن ومنتوجات ملوثة بال-PFAS

منتوجات تحتوي على PFAS

(https://riversideca.gov/press/understanding-pfas

الصنارة: ما هي مصادر التعرض لهذه المركبات؟

د. شحيبر: من الممكن التعرض لهذه المواد من التراب والمياه المستعملة في زراعة المنتوجات الغذائية, ومن منتوجات تستعمل في تغليف الغذاء ومن بعض الاليات المستعملة في التصنيع، في مصادر تزويد الماء المتواجدة بجوار المصانع أو في النفايات الصناعية ، وتشمل هذه المصادر: شبكات المياه العادمة,  مياه الآبار المعدة للشرب, التربة, البحيرات وتجمعات المياه. وقد تتسرب هذه المواد الملوثة الى مصادر أمدادات المياه من خلال جريان المياه الجوفية.  بالإمكان معرفة نسبة تلوث مياه الشرب من خلال تقرير عن جودة المياه في مناطق السكن.  

كذلك هناك إمكانية للتعرض لهذه المركبات من مستحضرات التجميل المستخدمة لتنعيم البشرة وإطالة لمعانها.  وقد أظهرت نتائج دراسة أجريت سنة  2021  على 231 منتجا من مستحضرات التجميل أن أكثر من نصف هذه المستحضرات يحتوي على PFAS.  

الصنارة: ما هي  أنواع المستحضرات التي تحتوي على PFAS ؟

د. شحيبر: ألأسس،الماسكارا المقاومة للماء،منتوجات الشفاه،كريمات البشرة، منظفات الجلد ومواد التجميل،كريم الحلاقة،الكحل،طلاء الأظافر،"خيال الأعين" 

الصنارة: هل يمكن معرفة إذا كان مستحضر التجميل يحتوي على هذه المركبات؟

د. شحيبر: لدى شراء أي مستحضر تجميل يجب فحص  لائحة المكونات فإذا كان يحتوي على أحد الأسماء  التالية أو أكثر فإنه يحتوي عليها: 

PTEF (POLYTETRAFLUOROETHYLENE) 

PERFLOUROOCTYL TRIETHOXYSILANE

PERFLUORONONYL DIMETHICONE

PERFLUORODECALIN

PERFLUOROHEXANE

الصنارة: هل توجد هذه المركبات في المواد الغذائية ؟

د. شحيبر: المواد الغذائية التي قد تحتوي عليها هي: المأكولات البحرية والصدفيات, اللحوم, منتوجات الحليب, الحبوب, المياه الغازية, الماء المعبأ بالقوارير.  من الممكن أيضا العثور على مستويات ضئيلة في بعض الأطعمة مثل العسل, البيض والخضراواتكما يمكن العثور على ال-PFAS في:أغلفة الطعام،أكياس الفشار القابلة للاستخدام في الميكروويف،حاويات الطعام المتناول بالخارج، أكياس طعام الحيوانات الأليفة.

الصنارة: ما هي خصائصها وما هي مخاطرها الصحية؟

د. شحيبر: لهذه المركبات خاصية عالية لطرد الماء والزيوت مما يجعل قدرة تحلّلها شبه مستحيلة فتبقى في أجسامنا وفي البيئة عشرات السنين. فمن أجل تقليل قدرة تصدي هذه المركبات للتحلّل, تم أجراء تغييرات بنيوية في تركيبتها الاصلية. وقد أظهرت النتائج الأولية لفحوصات أجريت على هذه المركبات الجديدة أنها تسبب تغيّرات سلوكية وتغيّرات في قدرة أفراز مادة الدوبامين (موصل عصبي) التي تلعب دورا مهما في عمل جهاز الأعصاب الطبيعي. كما يؤدي التعرض ل-PFAS  وبدائل- PFAS الى أحداث ضرر في مبنى البنكرياس, الى نمو في الخلايا التي تبني القنوات الموجودة به والى أحداث التهابات البنكرياس, مما قد يؤدي الى حصول مرض السكري أو حتى سرطان البنكرياس.    

كما تسبب التهاب المفاصل عند النساء وأيضا وتؤثر سلبا على جودة الحيوانات المنوية عند الرجال وحالات الربو عند الأطفال.  والتعرض لهذه المركبات يؤدي الى ارتفاع الكولسترول, ومواليد جدد ذوي وزن منخفض, مشاكل في الغدة الدرقية وفرصة أكبر للأصابة بسرطان الخصيتين والكلى وضغط الدم المنخفض وقت الحمل.  

وأظهرت نتائج دراسات جديدة نشرت خلال هذا المؤتمر تأثيرات سلبية ومتنوعة نتيجة التعرض لل- PFAS بحيث أن السمية التي تم تحديدها ل- PFASشملت: تطور السرطان, تلف في الكبد, وأرتفاع الكولسترول, القدرة على التكاثر, أضطراب في عمل الغدد الصماء, والضعف المناعي.  كما بينت نتائج دراسات وبائية (ابيديميولوجية) عن حدوث خلل في الجهاز المناعي الخلطي ناتج عن حدوث أحباط في تصنيع اجسام مضادة، والمس بقدرة تمايز خلايا B المناعية.  

وهذه المركبات تؤدي تسمم خلايا عصبية دوبامينية بسبب التاثير على عملية التنفس في هذه الخلايا، يقدر العلماء أن لهذا التأثير العصبي قد يكون دور في تطور مرض باركينسونس. 

وبسبب قدرة هذه المركبات على عبور الحاجز الدموي في المشيمة وقت الحمل فقد تسببت بإحداث تغيّرات  في أكباد الأجنة والمواليد الجدد مما قد يضع الجنين او المولود الجديد في خطر.  

والتعرض ل- PFOS  وقت الحمل وخلال عملية تطور الجنين يؤثر على افراز الإنسولين مما قد يؤدي الى أرتفاع في نسبة السكر في الدم .

وبينت نتائج الدراسات أيضا  أن أرتباط  ال-PFAS  ببروتينات الدم قد يؤثر على مستوى بعض الادوية في الدم وقدرة نقلها من الدم الى الاعضاء  المختلفة والتخلص منها.  

5- ما موقف ال FDA من هذه المركبات والمنتوجات التي تستخدم بها؟

د. شحيبر: تسمح إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ال-(FDA)  للمصنعين باستخدام بعض ال- PFAS بأمان في تغليف المواد الغذائية بسبب خصائصها غير اللاصقة. في عام 2016 ، منعت إدارة الأغذية والعقاقير استخدام أنواع معينة من PFAS ، تسمى PFAS طويلة السلسلة ، من تغليف المواد الغذائية، بعد أن وجد أن لها تأثيرات سامة على صحة الإنسان والحيوان.

وتختبر ال- (FDA) بانتظام الأطعمة والمنتجات التي يأكلها الناس أو يستخدمونها بشكل شائع لمعرفة مستويات PFAS فيها.

ف من يعتقد أنه  أو أحد أفراد أسرته  تعرض لمستويات عالية من PFAS ، عليه إخبار الطبيب. وإذا كان التعرض من خلال مياه الصنبور(الحنفية) الملوثة ، يجب الإنتقال الى استخدام المياه المصفاة للشرب والطبخ. وإذا كانت امرأة حاملاً أو تخطط للحمل وتعرف أو تشك بأنها تعرضت ل ـ PFAS ، عليها إخبار الطبيب المختص من أجل مراقبة ضغط الدم عن كثب.