| 01 تموز 2024 | 24 ذو الحجة 1445 هـجرية
  
  
  
الفجر
04:44
الشروق
06:10
الظهر
12:40
العصر
04:17
المغرب
07:10
العشاء
08:31
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0

الأكاديميا و "الخاوة" العلمية

  2019/08/02   00:03
   أنس مهنا - أكاديمي
شارك الخبر مع أصدقائك
طباعة
أضف تعقيب

احتضن مسرح وسينماتك أم الفحم يوم السبت الماضي محاضرة بعنوان "الحياة في الكون" للبروفيسور سليم زاروبي، وهي على ما فهمت محاضرة من سلسلة محاضرات علمية يُنظّمها بروفيسور رياض إغبارية ويقوم على إدارتها.

وقبل الخوض في أي شيء وجب التنويه على أنّ الغاية من هذا المقال ليست قرع طبول الحرب ولا التجنيد والحشد، إنما منتهى غايتي أن يعلم الناس أنّ ثمة رأيا آخر، رأيا قد لا يكون شائعا في "الأوساط العلمية"، وقد لا يكون على نفس القدر من الجاذبية الحداثية، ولكنّه رأي قائم بذاته، بأدلّته ومنهجيته العلمية دون الحاجة إلى الترقيع وأنّه ليس رأي دراويش، أو ساكني كهوف وراكبي إبل.

وتلخيصا للمحاضرة فإنّها عرضت العلاقة بين نشوء الكون، ونشوء الحياة وإمكانية وجود حياة في أماكن أخرى من كوننا الشاسع؛ وفي ثنايا هذه المحاضرة وجدت نفسي أختلف مع بروفيسور زاروبي في عدة نقاط قد ناقشته فيها بعد نهاية محاضرته. وللحق؛ فإنّ الرجل لبق وذو علم وثقافة في سياق دراسته الأكاديمية واطلاعه على علوم أخرى عقلية، لا طبيعية فحسب. ومع ذلك فإنّنا جميعا معرّضون أن نقع في فخ المغالطات العلمية والعقلية التي ستؤدي بنهاية المطاف إلى نتائج مغلوطة. حاولت أن أُقسّم النقاش إلى قسمين أولهما فلسفيّ، والآخر علميّ.

أولا، علّقت على قوله "إحنا برارة... لا شيء" والبرارة كما تعلمون هي بقايا الشيء التي لا قيمة لها. وهذا توجّه قديم في تحقير الإنسان وسلبه من قيمته والتعامل معه على أساس ماديّ صرف مما يقدح في مفهوم غائية وجوده ويدفعه نحو العدمية والاغتراب. وللملاحظة فإنّ النازية قامت على فلسفات شوبنهاور وتلميذه نيتشه التي حقّرت الإنسان لا سيما فكرة الإنسان الخارق "السوبرمان" التي جاء بها نيتشه بكتابه "هكذا تكلّم زرادشت" والتي صقلت وجه النازية وشكّلت إلهاما لآدولف هتلر.

بل لتعلم عزيزي القارئ فإنّ دوكينز -عرّاب الإلحاد- يقول إنّه ومن وجهة نظر إلحادية صرفة سيكون من الصعب جدا إدانة النازية!!! أبشع جرائم البشرية الحديثة، التي دمّرت القيم الإنسانية واحتقرت الحياة وهمّشتها لا يمكن إدانتها. وكلام دوكينز صحيح، لأنّ هذه متعلقات فلسفية، فالبروفيسور زاروبي حين يقول "أنا بحكي علم" فهذا يؤسس لتعامل مادي بحت مع العالم، تعامل منفصل عن الأخلاق، لأنّ الأخلاق في العالم المادي لا مكان لها ولا معنى، والمقولة مشهورة لبيجوفيتش "هناك ملحدون أخلاقيون، ولكن لا يوجد إلحاد أخلاقي". بمعنى أنّ تعامل بروفيسور زاروبي مع البشر على كونهم "برارة" وأنّ منهجه علميّ صرف سيقوده "عقليا" إلى إنكار كل القيم الإنسانية. وأقول "عقليا" لأنّ الإنسان أكثر تركيبا والواقع كذلك.

ثانيا، نظرية التطوّر، لست هنا لأناقشها لذاتها بل لأستخدمها كنموذج للمغالطات العلمية التي وقع بها البروفيسور زاروبي. يقول بروفيسور زاروبي عن الDNA : "أعقد مركّب بنعرفه، مبنى عجيب وهائل" وحينما سألته خلال المحاضرة عمّا إذا كانت الخلية الأولى التي انحدرت منها كافة الأنواع تتشارك نفس مفهوم الشيفرة الوراثية مع بقية المخلوقات المتأخرة، أجابني بنعم، وحينما عرضت إشكالية الخلية الأولى وألمحت إلى بطلان نظرية التطوّر قال: "نظرية التطوّر ربما أنجح نظرية علمية، والأدلة عليها هائلة إلا بالعالم العربيّ". وهون حطّنا الجمّال...

طبعا بداية، حتى البروفيسور زاروبي قال إنّ نشوء الخلية الحيّة الأولى لا يزال غامضا وأنّ العلم لم يقدّم إجابات حتى يومنا هذا. ولكن المغالطة التي وقع فيها البروفيسور هي مغالطة الاستدلال الدائري، بمعنى أنّه افترض أنّي أناقشه من وجهة نظر دينية وأنّ وجهة النظر الدينية ستجعلني أرفض نظرية التطوّر وبالتالي لا يمكن نقاشي علميا فيها، وبأنّي أرفض العلم ولديّ حساسية منه. بصورة أبسط فلان متديّن فبالتالي هو يرفض نظرية التطوّر ورفضه لنظرية التطوّر يعني أنّه متدين. مع العلم أننا لم نتطرّق في نقاشنا لأي جانب دينيّ!

على أية حال، فنقاش الخلية الأولى وحده أعتبره كافيا مبدئيا لطرح علامات تساؤل ضخمة جدا فيما يتعلق بصحة التطوّر، تخيّلوا أنّ أعقد مركّب، العجيب الهائل كوّن نفسه بنفسه، وأنتج خلية حيّة، وأنتج شيفرتها الوراثية. أصغر شيفرة وراثية يعرفها العلم اليوم هي لبكتيريا باسم "Carsonella ruddii" هذه البكتيريا فيها 182 جينا وراثيا يُترجم لبروتينات بما يعادل 150 ألف حرف وراثي، الآن السؤال الذي يُسأل كم جينا احتاجت الخلية الأولى لتعيش وتتكاثر؟ وهي بالضرورة أقل تركيبا من البكتيريا المذكورة، وهذا يعني أنّ أبسط طفرة ستقضي على الخلية الأولى وإذا قضت على الخلية الأولى سنُضطر لإعادة إنشاء هذه الخلية الأولى من نقطة الصفر، وستبحث النيوكلوتيدات عن بعضها مجددا بعشوائية لتُعيد خلق نفسها...

ولكنّ رد البروفيسور كان إنّ العلم سيُقدّم لنا إجابة حتما يوما ما، إجابة عن ماذا بالضبط؟ إجابة عن نشأة الخلية الأولى من لاشيء؟ أو عن الفجوات بالسجل الأحفوري؟ ومشاكل السلف المشترك والحلقات البينية؟ أم سيُقدّم إجابات عن الانفجار الكامبري؟

إذن فالبروفيسور لجأ لنفس مغالطة "إله سدّ الثغرات"، أي محاولة تفسير ظواهر ما وإحالتها لقوة أخرى، ففي العصور الوسطى كانت الكوارث الطبيعية بسبب غضب الإله، والآن صارت الاستنتاجات متعلقة بحلم كشف العلم لأسرارها، ولكن أن تؤمن وتقاتل على فكرة ما، دون أن تكون هناك أدلة قطعية عليه، بل أدلة أنت بنيتها وفقا لافتراضك صحة رأيك في بداية الأمر.

سألت البروفيسور، لو أنّ العلم قطعيّ إلى هذه الدرجة، فكيف له أن يأتي بآراء تُفنّد ما كان معروفا وقطعيا؟ وأعطيته مثالا على ما يُسمى بالJunk DNA وهذا ادعاء ورد عند دوكينز في كتابه الجين الأنانيّ حيث يقول إنّ هناك بقايا في حمضنا الوراثيّ لا داعي لها ولا فائدة منها، هي مجرّد بقايا تطوّرية. وكثير من الأبحاث اليوم تُظهر أنّ ثمة وظائف لتلك الجينات، وأيضا في حالات "الأعضاء الزائدة" كما في البطاريق مثلا، ظلّوا يُروّجون إلى أنّ هناك أعضاء بلا وظائف ولكنّ العلم نفسه أيضا الذي يحتج به البروفيسور يُكذّب الادعاءات. فأي علّم نصدّق؟

يقول سكوت تود وهو عالم مناعة "Even if all the data point to an intelligent designer, such a hypothesis is excluded from science because it is not naturalistic" بمعنى أنّه لو أشارت كل المعلومات إلى تصميم ذكيّ فإنّ فرضية مثل هذه مُلغاة لأنّها ليست "طبيعية". وهذه المغالطة الأساسية في تبني منهجية طبيعية صرفة، فهي لن تقود إلى لمكان واحد. والمجتمع العلميّ للأسف مؤدلج وكثير الاستدلالات الدائرية لتجنّب الجانب الميتافيزيقي من الحقائق.

لقد أطلت بما فيه الكفاية، ولأحدد موقفي بجملة واضحة؛ النقاش ضروري وحيويّ وإلزاميّ، على أنّه يجب أن يكون صادرا من أرضية مشتركة لا فضل لأحد فيها إلا بالبرهان وألّا يتم تصدير الخلافات الفكرية على أنّها معارضة للعلم ولا أنّها ضلالية. وما أريده هو أن يتعامل الناس مع الأفكار مجردةً عن أصحابها وألقابهم، وأن يتعلموا ويمتلكوا أدوات العلم ونقده وأن يبحثوا عن الحق. ولا بدّ لي أن ألوم رئيس البلدية الدكتور سمير صبحي، فقد حضر المحاضرة في آخرها ولم أسمع منه تعليقا على ما قيل فيها، ولا أخجل من القول إنّ إتاحة المجال لتيار فكريّ دون آخر يترتب عليه انحرافات عقدية وفتنة الناس في دينهم، فلا بدّ أن يواجه الرأي بالرأي، وبالحجة والبرهان.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.


من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)

لإضافة تعقيب الرجاء تعبئة البيانات

أضافة

التعليقات