| 03 تموز 2024 | 26 ذو الحجة 1445 هـجرية
  
  
  
الفجر
04:44
الشروق
06:10
الظهر
12:40
العصر
04:17
المغرب
07:10
العشاء
08:31
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0

حراك الجزائر: بين الصمود والعناد

  2019/03/17   22:42
   دكتور محيي الدين عميمور
شارك الخبر مع أصدقائك
طباعة
أضف تعقيب

أبدأ حديث اليوم بملاحظتين أضع بهما نقاطا على بعض الحروف، حتى تتضح أبعاد الصورة الضخمة للانتفاضة الجماهيرية الجزائرية ولا يخلط البعض بين الباء والثاء.

الأولى أن الحراك الشعبي الهائل لم يكن غابة نمت من العدم، وربما انطبقت عليه القاعدة التي تقول بأن المادة لا تفنى ولا تستحدث.

ومن هنا فمن السذاجة أن يقال إن الشعب انفجر في ثورة عفوية لم يكن وراءها من يريدها أو يعمل لها أو يصب الزيت على نارها.

ولا أعتقد أنني أبتعد عن الواقع إذا تصورت بأن هناك مخبرا على غرار مخبر “لعبة الأمم” الذي أشار له “مايلز كوبلاند”، كان وما زال يعمل منذ سنوات وسنوات لانتزاع السلطة الحقيقية، بدءا بالسيطرة المالية ومرورا بالتحكم الإداري وانتهاء بالتركيز على المدارس الخاصة التي تعطي الفرصة لأبناء الأثرياء في الوصول إلى المراكز المفصلية في الدولة، وهو مخبر يضم أشخاصا كانوا أو ما زالوا ذوي نفوذ مالي ووظيفي، وليس من المستبعد أن تكون لهم اتصالات عضوية بجهات خارجية عبر الشركات متعددة الجنسيات ورؤوس

وهناك أفراد، بل وجماعات وتجمعات تضم وزراء ومسؤولين مدنيين وعسكريين هُمّشوا، ظلما أو عدلا، ليس هذا هو المهم، لا بد أن لهم دورا فيما يحدث على الساحة.

ومن المؤكد أن هناك اتجاهات فكرية تعطي لنفسها صفة العلمانية والحداثية  وتحركها مشاعر مضادة للتوجهات الدينية أو العربية، وهي تستلهم تجربة مصطفى أتاتورك، وبدون أن تدرك أن حُكم العلمانية التركية الذي سهِر العسكر على تطبيقه كان مهزلة حقيقية جعلت من البلد الآسيوي الأوربي الكبير مجرد ذيل للحلف الأطلسي، ومعظم تلك الاتجاهات مرتبط بالفكر الفرنسي على وجه التحديد، ويمكن التعرف عليهم من تركيزهم على استعمال تعبير القيم “الجمهورية” على حساب تعبير القيم “الوطنية”، لأن هذه مرتبطة في بلاد الجن والملائكة بالسيدة مارين لوبن.

ومن المؤكد أيضا أنه كانت هناك عناصر إسلامية تحس بالإحباط نتيجة لفشلها في بداية التسعينيات، ومنها من يريدون الانتقام من نظام الحكم بأي طريقة.

كل هذا موجود ولا يمكن التستر عليه، لكن القول بأنه هو الذي يقف أساسا وراء الحراك الشعبي هو لغو وهراء، لأنه ما من فرد أو جماعة قادرة على تحقيق هذا “التسونامي” الهائل الذي لم تعرف الجزائر له مثيلا، ربما حتى عند استرجاع الاستقلال.

والحقيقة التي تفرض نفسها، في تصوري، هو أن من يقف وراء الحراك هو نظام الحكم نفسه، الذي تميز في السنوات الأخيرة باستهتار عجيب بالرأي العام واستهانة بعواطفه، وبرغم أنه لا يمكن للمرء أن ينكر أن إنجازات كثيرة تحققت في العشريتين، لكن التصرفات غير المسؤولة أفسدت كل شيئ، وكانت كجثة فأر ميت تفسد أريج أكبر مزرعة للزهور .

والذي حدث هو أن الأرض أصبحت مشبعة بالسوائل القابلة للالتهاب، وجاءت الحماقة البليدة بإعلان ترشح الرئيس عبد العزيز بو تفليقة لعهدة خامسة وكأنها عود الثقاب الذي أشعل النار، وهو ما يفسره التعبير الذي جاء في رسالة الرئيس ويقول بأنه لم يكن ينوي الترشح، وسأعود لهذا فيما بعد.

الملاحظة الثانية هي أنه لا مقارنة على الإطلاق بين حراك فبراير- مارس 2019 الشعبي وبين أحداث أكتوبر 1988، فقد تأكد أن هذه أحداث فبركت للإجهاز على حزب جبهة التحرير الوطني، الذي ترهل نتيجة للتصفيات السياسية التي تمت منذ بداية الثمانينيات، وجعلت منه مجرد طبل أجوف، عجز عن مواجهة تبعات الانخفاض في سعر النفط والاستجابة للتطورات التي عرفها المجتمع نتيجة لعمليات التنمية الوطنية وانحسار ليل الأمية وارتفاع نسبة التعليم.

وليس هذا مجال الإطالة في شرح ملابسات تلك الفترة، والتي تناولتها أكثر من مرة.

وإذا توقفت عند الحراك الحالي فإن أهم ما يجب أن يُقال، في نظري، هو أن منطق الأسود والأبيض لا يوجد إلا في الصور والأفلام القديمة، أما في الواقع فهناك عشرات الألوان بينهما، ومنها ألوان طيفٍ لا تُرى بالعين المجردة، ومن هنا فإن على كل من يحاول تحليل الأحداث التي تعرفها الجزائر أن يتعامل معها على أساس أن من الممكن أن يكون في كل إنجاز جيد نسبة قد تكون أقل جودة أو أكثر سوءا، والعكس بالنسبة لكل المواقف الخاطئة أو المعوجة.

وأنا أتصور أن تظاهرات الجمعة الأخيرة، ورغم عدم اقتناعي بموضوعية كثيرين يدعون لها وشكوكي في خلفيات بعض من يتحمسون لها، تجد مبررها في فشل السلطة في انتزاع ثقة الجماهير، بجدية تعاملها مع الحراك الشعبي، وإلى درجة دعم الشكوك بأن كل ما حدث هو مجرد مناورة لامتصاص الغضب ثم إحلال الحاج موسى محل موسى الحاج.

والقرارات الأخيرة للرئيس حملت حجما من الأخطاء قد يُعتبر وراءها التسرع في اتخاذها، وهذا في حد ذاته يشير إلى الخطأ الذي وقع فيه النظام منذ سنوات، وهو عدم الاستعانة بآراء مستشارين أكفاء قد يكون من بينهم وطنيون وضعتهم التطورات في خانة خصوم السلطة، وليس خصوم الوطن، وهو خطأ نجده، للأسف، حتى عند الكثيرين من قيادات التيار المعارض.

ولعل الخطأَ الرئيسي الأول الذي ترسخ في النفوس مؤخرا وجعلها تكاد تشك في كل شيئ، حتى في اللقطات المتلفزة التي عرضت استقبال الرئيس للسيد الأخضر الإبراهيمي، التعبيرُ الذي “استعملته” رسالة الرئيس وقال فيه: “لم أكن أنوي الترشح لعهدة جديدة”، وهو ما يؤكد أن هناك استهتارا بوعي متلقي الرسالة، وتهربا من مسؤولية مواقف سبق اتخاذها.

ولم يكن الأمر محتاجا لعبقرية هائلة لو قالت الرسالة على لسان الرئيس: “لم أكن أنوي… لكنني اضطررت لقبول رأي من أشاروا عليّ بذلك لضمان الاستقرار وتفادي وضعية لا تليق بالجزائر” … أو شيئ من هذا القبيل، وهو ما أتصور أنه ليس بعيدا عن الواقع الذي حاول من كان وراء الرسالة التهرب من مسؤوليته.

ويأتي هنا أيضا شمول قرار الرئيس، وللمرة الأولى في تاريخ الحكومات الجزائرية،  على تعيين نائب للوزير الأول، وهو ما رأى فيه كثيرون استخفافا بنور الدين بدوي بإظهاره في مظهر من يحتاج إلى ظهير يسنده، بالإضافة إلى أنه بدا طمأنة لجهات معينة باختيار شخص معين والإعلان عنه قبل إعلان تشكيلة الحكومة بأكملها، وأكثر من ذلك، فُهِم منه أنه يُعدّ النائب لخلافة بدوي بعد هجمة إعلامية مدبرة تنال من تعامل الوزير الأول مع الأحداث، وتتهمه بما يتناقض مع مهمته كرأس للحكومة الجديدة.

في هذا الإطار كله لا أخفي يقيني بأن تأجيل الانتخابات الرئاسية كان أمرا إيجابيا، ولعل التنديد به من قبل البعض بشراسة وحدّة يكشف خلفيات معينة كانت ترى أن اختفاء أسماء معينة لها وزنها التاريخي والسياسي من قائمة المرشحين كان فرصة لفرض مرشحٌ معين، بدأ إعداده منذ عدّة أسابيع، ويمثل اتجاها معينا قد لا يكون ترجمة لإرادة المجموع الوطني، طبقا للصورة الجماهيرية التي أعطاها عن نفسه منذ اللحظات الأولى.

وواقع الأمر هو أنه لم يكن من بين المترشحين المتقدمين للمجلس الدستوري من يجسد، في نظري، تجربة سياسية تؤهله لرئاسة أكبر بلد إفريقي وواحد من أهم بلدان الوطن العربي والعالم الإسلامي ومجموعة عدم الانحياز وبلدان الأوبيك، خصوصا في غياب أسماء من وزن علي بن فليس وأحمد بن بيتور ومولود حمروش، ولن أضيف شخصية متميزة مثل الدكتور أحمد طالب، الذي لزم داره بحكم السن، والذي كان من الخطأ في السنوات الأخيرة عدم التواصل معه ومع آخرين من أمثال عبد السلام بلعيد وسيد أحمد غزالي وعبد العزيز بلخادم ويوسف الخطيب ومحمد الصالح يحياوي قبل وفاته مؤخرا وآخرين، وكلهم كان يمكن التعامل معهم كمرجعية وطنية تطلب آراؤهم في بعض الحالات بدون أن تكون ملزمة للسلطة، علما بأن من هؤلاء من أختلف معهم في الكثير.

وقد يكون هناك من بين المترشحين الذين كانوا في القائمة أناس طيبون لا تشوب حياتهم العامة أي شائبة، لكن هذا ليس هو وحده معيار اختيار الرؤساء، وخصوصا في مرحلة حرجة من حياة الأمة.

ومن هنا قلت وأكرر بأن انسحاب شخصيات لها وزنها وتخلف شخصيات أخرى عن الترشح كان خطأً ساهم في خلق الوضعية التي فرضت تأجيل الانتخابات الرئاسية.

 والانسحاب في حالات الحرب يمكن أن يكون دليلا على الذكاء وحسن التصرف، فخطوة إلى الخلف قد تسهل الاندفاع إلى الأمام، لكن العكس ممكن أيضا، حيث يكون الانسحاب خطرا مميتا، ولعل الصورة التي يمكن استحضارها هي الفرق بين انسحاب القوات المصرية في 1956 وانسحابها في 1967، وأنا أستعمل هذا المثال لتقريب الصورة للأشقاء في المشرق العربي.

وعودة إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية لأقول إن على الخبراء الدستوريين أن يعطوا رأيهم في مشروعية القرار، وسواء اعتبِرَ استنادا إلى المادة 107 من الدستور، أو إلى “مضمون” المواد التي تحمل رئيس الجمهورية مسؤولية اتخاذ القرارات التي يراها حيوية بالنسبة لاستقرار البلاد وحسن سير مؤسساتها، وألا يترك الأمر لفتاوى السابلة.

وهنا لا بد أن يكون هناك أيضا توضيح لدستورية استمرار الرئيس قي ممارسة مهامه بعد 28 أبريل، موعد انتهاء عهدته الرابعة، وهذا ما أتصور أنه يفرض أن تعقد الندوة السياسية المقترحة، أو ندوة مصغرة تسبقها، في موعد لا يتجاوز الأسبوع الثاني من أبريل، وبعد تشكيل حكومة أزمة تحظى بالموافقة الجماعية، وبدون خلط بين التوفيق والتلفيق.

والمشكل الحقيقي الذي تواجهه السلطة الآن هو أن هناك رفعا متواصلا لسقف المطالب الجماهيرية، نتيجة لتواصل التظاهرات الشعبية والتي لم تفتر، كما تمنى البعض، يوم الجمعة الماضي.

والذي حدث هو أن ردود فعل السلطة الضعيفة أعطت الفرصة لمن راحوا يزايدون مطالبين برحيل كل عناصر النظام، وهو ما حذر منه مقال محمد جربوعة الذي نشرتُه تحت عنوان الحديث الماضي، والذي هاجمه البعض بشراسة أبرزت خلفيات من يدفعون نحو التصعيد، في حين أن الشاعر لم يفعل أكثر مما كان يفعله من كان يقف وراء القائد الروماني المنتصر وهو يحيي الجماهير المتحمسة له، ويهمس في أذنه: لا تنسَ، أنت بشر.

وواقع الأمر أن إعلاميين شبابا سارعوا بتحذير المجموع ممن يرفعون صيحات حق يريدون بها باطلا، ومن هؤلاء حسن زهار الذي قال: “التيار الذي وقف في وجه الإرادة الشعبية في 1992 هو نفسه التيار الذي يحاول اليوم التكلم باسم الحراك الشعبي وتمثيل إرادته. ابحثوا في تاريخ الأشخاص ومواقفهم قبل الاستماع إليهم واتّباعهم.”

وعاد جربوعة للرد على منتقديه قائلا : “(الشجاعة الجماعية) مشكلة .. لأنّ الشجعان الجماعيين عادة، هم أناس لا يملكون شجاعة (فردية) .. ونحن نرى اليوم الكثير من الشخصيات التي كانت طوال عقود من الزمن (تمشي جنب الحائط) أو كانت تصفق للنظام، لأنها لا تملك شجاعة فردية، وهي اليوم تجد شجاعتها في انضمامها للجموع في المسيرات،

بينما يعرف الناس جيّدا من كان يملك (شجاعة فردية) لعقود من الزمن، فلم يكن يصفق للنظام، بل كان ضده.  والمشكلة أن صاحب الشجاعة الفردية، يكون عادة عاقلا، لا يميل إلى الانتقام، ولا يجد في نفسه حاجة لإثبات شجاعته، بأمور يحتاج إليها (الجبان الفردي ) لإثبات شجاعته حين يكون في جماعة، مثل التقاط الصور، والمزايدة، ورفع سقف المطالب، و…”

وتنبه ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي للأمر، فكتبت لولو فاطمة في الفيس بوك تقول، ردا على منشور للدكتور أميمة أحمد:

(… ) “الإشكالية المطروحة هي رفض الحوار مع السلطة أو التعامل معها ورفض كل ما يصدر عنها جملة وتفصيلا …أتفق معك أنها يجب أن تكون طرفا في الحوار وفي الحل …ولكن دعاة القطيعة غير المؤسسة على قراءة سياسية واقعية جعلتهم يتشددون وسيؤزمون المشهد أكثر من السلطة …ما بدا لي أن السلطة تطرح مبادرات وتفتح باب الحوار مع طرف يسد كل الأبواب بدون طرح بديل أو ميكانيزمات عملية و دستورية للحل (…) التفاوض مع السلطة ضروري و أصبح كل من يقول هذا الكلام يُتّهم. هم يمارسون دكتاتورية الجماعة، وأقصد هنا الناشطين والمثقفين والإعلاميين الذين يوجهون الحراك ويتحدثون في الواقع الافتراضي باسمه (… ) يقودون خلف الستار.”

وينقل سمير بو نادي في نفس الموقع: “يجب على حركة مواطنة (وهي حركة تقدم نفسها كحركة علمانية) وشخصيات الدولة العميقة أن تدرك أنها تجني اليوم ما زرعته جراء دعمها لمشاريع الإجرام والاصطفاف مع المنقلبين على الشعب واستفزازها لثقافة الشعب، واستهتارها بدينه ورموزه ومقدساته، وتبنيها فئوية مقيتة…، فتأجيل الانتخابات مطلب لم يعجبهم حين نادينا به منذ أول يوم، بينما كانوا يراهنون على المادة 102 التي تسقط بوتفليقة وتسمح للغديري بالوصول، وهنا نسجّل .. أنّ الشعب لا يجب أن يرفع في المسيرات القادمة شعار المطالبة بإسقاط التأجيل، لأن ذلك مطلب لهذه الفئة، وليس لمجموع الشعب.”

والغريب أن معظم المنادين بالحلول الجذرية على مواقع التواصل الاجتماعي يستعملون توقيعات مستعارة، وهذا ما لوحظ في بعض التعليقات على ما جاء في المقالات السابقة، وهذا في حد ذاته يثير الشكوك في الخلفيات والدوافع والتحالفات.

لكن هذا كله لا يمنع من القول بأن الاستمرار في التظاهرات الجماهيرية السلمية أمر له أهميته في إجبار السلطة على البحث عن حلول جذرية، بديلها الوحيد الذي تعمل له بعض الأقليات النشطة، هو تكرار سيناريو 1992، الذي دفع القوات المسلحة إلى واجهة الأحداث، وكان بداية العشرية الحمراء.

مفكر ووزير اعلام جزائري سابق


من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)

لإضافة تعقيب الرجاء تعبئة البيانات

أضافة

التعليقات