لا تستطيع الفتاة هنادي نصر الله "الترحم" على شقيقها أو الجزم بأنه حي، وهي وعائلتها تحترق قلوبهم بمعنى مفقود، منذ أن أصيب في مجزرة إسرائيلية بمستشفى المعمداني بمدينة غزة. "لا قادرين على القول الله يرحمه ولا قادرين نعرف مصيره"، تقول هنادي ذات الثمانية والثلاثين ربيعاً، في حديث لموقع "رِواق".
وتضيف "فقدنا أخي أيمن في مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، أصيب يومها وبحثنا عنه حتى قالوا لنا إنه مصاب وموجود في مستشفى المعمداني".
وتضيف "هناك اطمأننا عليه، وبعد أيام حدثت مجزرة مستشفى المعمداني ليلاً، وتطايرت الجثث والأشلاء، وفقدنا أخي مرة أخرى".
وبحثت هنادي وإخوتها عن شقيقها بين جثامين الشهداء، حتى المقطعة منها أشلاء، علّهم يجدون طرفًا منه يدلهم على أنه شهيد، وبين الإصابات علّه يكون حيًا".
وتستدرك بحرقة "لكن لم نجده، قُهرنا أيامًا وأسابيع، ونحن نسأل ونبحث دون جدوى، وها هي تمر شهور ولم نجده".
صمتت قليلاً ثم رددت بحرقة "لا قادرين على أن نقول الله يرحمه، ولا الله يرجعه بالسلامة، أخي ليس إلا مفقود، وهذه الكلمة كفيلة بأن تميتنا كل يوم ألف مرة".
وبلغ عدد المفقودين تحت الأنقاض في قطاع غزة منذ بدء الحرب عليه في أكتوبر من العام المنصرم، عشرات الآلاف، ولم تحدد وزارة الصحة الفلسطينية العدد الدقيق لهم، نظرًا لشدة القصف، وتتابع ارتقاء الشهداء.
المناداة قبل فقد الأمل
ولا يمل الباحثون عن المفقودين تحت أنقاض المنازل التي تقصفها طائرات "إسرائيل" الحربية، عن المناداة، كوسيلة لمحاولة الوصول إليهم، عسى أن يكون أحدًا منهم حيًا، سيما وأنه يتم انتشال البعض أحياء بعد معاناة.
يقول شهود عيان بمدينة غزة لموقع "رِواق": "نبحث عن الشهداء دون يأس، وبالرغم من حجم الدمار الهائل جداً، ننادي بأعلى صوت لعل المدفون ينطق أو يصرخ بين حطام الركام".
ويروي "في عدد قليل من الانتشالات، استطعنا الوصول لمفقود مثلًا أو اثنين، لكن الغالب لا يردون، والركام كبير جدًا لا يستطيع بشر إزالته".
ويضطر ذوو الشهداء المفقودين مرغمين، لتركهم تحت ركام البنايات المهدمة، بالرغم من أن مرور الوقت يجعل قلوبهم تحترق قهراً عليهم.
يقول أحد الفاقدين "نترك الأمر رغمًا عنا، نعم لا أحد معنا، رحلوا لكن أرواحهم مازالت تطوف وتحوم فوق ركام كل بيت، وما زلنا ننتظر لقاء جثامينهم حتى وإن طال الانتظار".
انتظار لقاء النصف آخر!
وبعد انتشال نصف جثمان والده ودفنه، ترك العشريني محمد أبو شملة النصف الآخر بعد فشل العثور عليه، على مدار أيام.
واختصر مأساة فقدان نصف والده بعبارة: "عندما تنتهي الحرب سأركض نحو البيت وأجثو على ركبتي لأخبر نصف جسد والدي المفقود تحت الأنقاض أنها قد انتهت وحان عناقك".
واستشهد منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 41272 فلسطينيًا، وبلغ عدد المصابين 95551 ، كما أن 72% من الضحايا هم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة.
ملف مقلق
ويثير ملف المفقودين في قطاع غزة قلقًا لدى منظمات حقوق الإنسان.
ونشرت وزارة الصحة موقعًا لسكان غزة، للتسجيل والتبليغ عن أبناءهم المفقودين تحت أنقاض المباني المستهدفة، وما يزال الحبل على الجرار في ارتفاع أعدادهم.
وفي بيانات عديدة، طالبت المنظمات الحقوقية بضرورة إرسال فرق متخصصة في الطب الشرعي ومعدات لازمة للبحث عن مفقودين في قطاع غزة والتعرف على جثامين الشهداء الذين تم إعدامهم، سيما وأن عددًا منهم قد تحللت جثامينهم.
ولا يقتصر تواجد المفقودين تحت أنقاض المنازل والمباني المقصوفة، فإسرائيل، لم تكتف بقتل الشهداء، بل إنها نبشت معظم المقابر وانتشلت مئات الشهداء، واقتادتها إلى جهات مجهولة، بحثًا عن جنود لها بينهم، كما تزعم.
ومؤخراً تم العثور على مقبرة جماعية لشهداء سبق وأن ارتقوا وسرق جنود الاحتلال جثامينهم، ليس آخرها تلك التي تم العثور عليها في مجمع ناصر الطبي بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة.
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات