مذّ أعلنت بعض الأحزاب المحلية في أم الفحم عزمها خوض انتخابات البلدية المزمع اجراؤها نهاية شهر تشرين اول / اكتوبر المقبل، بدأ ما وراء الكواليس حراك ماراثوني لتشكيل تحالفات وتيارات مختلفة لخوض الانتخابات.
خمسة أشهر تبقت لموعد انتخابات السلطات المحلية التي تجري مرة كل خمس سنوات، حيث تجري هذا العام في تاريخ 31 تشرين أول / اكتوبر وفق ما أعلنت عنه وزارة الداخلية، التي أكدت أيضا أن تقديم أسماء المرشحين والقوائم ينتهي قبل موعد الانتخابات بـ 33 يوما أي حتى تاريخ 28 ايلول / سبتمبر.
كيف تستعد أم الفحم للانتخابات؟
لم يعلن أي أحد في أم الفحم عن ترشحه لرئاسة البلدية حتى كتابة هذه السطور، سوى رئيسها الحالي د.سمير محاميد، الذي جاء من خلال بيان مصوّر تم بثّه في منتصف شهر آذار الماضي، تحدث فيه المحامي محمد وليد معلواني - رئيس حزب "البيت الفحماوي" الذي أكد بأن د.سمير محاميد سيكون مرشح الحزب لولاية ثانية.
أما حزب التجمع الوطني الديمقراطي في أم الفحم فقد أعلن في 18 آذار/مارس ، عزمه خوض انتخابات البلدية بقائمة عضوية فقط.فيما أعلن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في 11 نيسان /ابريل عزمها خوض الانتخابات المحلية المقبلة دون الافصاح عما اذا كانت عضوية فقط أم الى جانب مرشح لرئاسة البلدية، لكن وفق مصادر في داخل الحزب تؤكد أن الإتجاه نحو عضوية فقط.
ميزان القوى في المجلس البلدي
يتنافس أهالي أم الفحم على 17 مقعدا في المجلس البلدي، ولتوضيح صورة الوضع الحالية فقد أفرزت انتخابات 2018 الأخيرة ما يلي:
البيت الفحماوي (5) / نور المستقبل (4) / شباب التغيير (3) / تحالف الجبهة والتجمع (1) / أم الفحم للجميع - المحامي توفيق سعيد - (1) / أفق جديد - رامز جبارين - (1) / التوافقية - د. علي خليل جبارين (1) / أم الفحم أولا - حركة أبناء البلد - (1)
من المهم الاشارة الى أن البيت الفحماوي وقع اتفاقيات ائتلاف مع معظم أعضاء المجلس البلدي، باستثناء قائمة أم الفحم للجميع الممثلة بالمحامي توفيق جبارين، كما وفكّ البيت الفحماوي ورئيس البلدية مطلع عام 2020 الائتلاف مع نائبه علي عدنان بركات وحزب شباب التغيير عقب خلافات بينهما، فيما قام "البيت الفحماوي" بالالتفاف على قائمة "نور المستقبل" التي تملك 4 أعضاء في المجلس البلدي، وعقد اتفاقية ائتلاف مع عضويها منفردين وهما الأستاذين طارق أبو جارور، ووجدي حسن جميل، دون الرجوع الى مسؤولي الحزب، وقد وصف حزب نور المستقبل هذه الاتفاقية بأنها صادمة وصعبة باعتبارها شرخ للحزب قائلا " بالرغم الهبوط والتردي والخذلان في الأسلوب والأداء والاعلان من كلا طرفي الاتفاقية، فإننا لن نخرج لا سمح الله عن آدابنا وأخلاقنا في التعامل مع الحدث." وبالتالي يمكن القول بأن قائمة نور المستقبل التي أسسها الشيخ خالد حمدان - رئيس البلدية الأسبق - قد تآكلت قوتها في المجلس البلدي بعد هذا الإنشقاق الداخلي.
كيف سيكون المشهد في الانتخابات المقبلة؟
ثمة مقولة يتم تداولها في الشارع الفحماوي، أنه لا منافس للرئيس الحالي، فهو في أوج نجاحه وقد أنجز الكثير لصالح البلد، وبالتالي نلاحظ أن ثمة إجماع الى حد ما بأن د.سمير محاميد قد ضمن ولايته الثانية دون الحاجة الى منافسة ومناكفة انتخابية على كرسيّ الرئاسة، بالاضافة الى أن من يجرؤ على المنافسة فإنه قد انتحر سياسياً - كما يقول الشارع الفحماوي في هذه المرحلة على الأقل-
لست في صدد سرد ما أنجزت وأخفقت الإدارة الحالية في المدينة خلال الدورة الحالية، لكن المؤكد أن أهالي أم الفحم قد عاشوا نشوة غابت عنهم سنوات، عندما رؤوا بلدية تنفذ مشاريع بوتيرة طبيعية مثل أي بلدية أخرى يجب أن تقوم بذلك وتقدم الخدمات الأساسية واللازمة، بعد أن كانت الإدارة السابقة ذا حضور ضعيف مقارنة بالحالية من جهة، وشبه مغيبة إعلاميا من جهة أخرى، على عكس الادارة الحالية التي لا تنفك عن الاهتمام في تسويق أعمالها عبر طوفان إعلامي، وبالتالي أصبح في أعين الأهالي وجود ادارة نشيطة تعمل وتنجز مشاريع حيوية مطلوبة بعد سنوات عجاف، وبات كل ناقد ولو بشقّ كلمة أو تعليق عبر وسائل التواصل، يوصم بـ "عدوّ النجاح" من قِبل أنصار الادارة وأتباع الرئيس.
"لقد أتعبت من بعدك"
ونتيجة لهذه الحالة، فإنه لا يوجد طرف معيّن قد طرح اسم مرشّح يتنافس على كرسيّ رئاسة البلدية ونحن على بعد أشهر قليلة من الانتخابات، وباعتقادي أن من جملة الأسباب أن الرئيس الحالي ظلّ حاضراً طيلة 5 سنوات في عين المواطن ولم يغب عنه ميدانيا واعلاميا، بغضّ النظر ماذا أفرز هذا الحضور ان كان نجاحا في مواضع معينة أم اخفاقا في مواضع أخرى، لكنّ المهم أنه واكب وتابع معظم القضايا والتي بعضها قد اصطدم من خلالها مع شريحة عريضة من المواطنين بهدف تحقيق غاية "المصلحة العامة " إن صح التعبير، بغضّ النظر إن كان بحق أو غير حق، أو بعدل أو غير ذلك، فهذا موضوع كبير يفتح الأبواب على مصراعيها للنقاش فيه، لكن ذلك يجعل الرئيس تحت عنوان "أتعبت من بعدك" - كما يقول البعض من مؤيدي الرئيس - .
وأعتقد أن خيار المواجهة مع المواطن في مثل هذه الحالات لتحقيق "غاية عامة" ليس بسيطا على أي إنسان أن يتحمّله في مجتمع لا يتقبّل الخروج من منطقة راحته والتطور نحو مجتمع حضري ما دام هذا التطور قد يمسّ مصالحه الخاصة.
فالقضية ليست أن أم الفحم التي يبلغ تعداد سكانها 65 ألفا، معدومة القدرات والطاقات وأنه لا أحد يرى بنفسه مخولا لينافس على كرسيّ الرئاسة ويثبت نفسه. بل أن أي رئيس بلدية يحتاج الى دعم كبير يرتكز عليه، ففي مجتمعاتنا العربية، يكون الارتكاز اما على العائلية في الغالب، أو الحزبية في أحيان أخرى، لكن في أم الفحم دائما كان الرئيس القوي يستند على حزب أو تيّار كبير، وهنا نتحدث عن تيار إسلامي عميق متجذر في مؤسسات المدينة وله أتباع كثر لا يمكن لأحد أن يصل كرسيّ الرئاسة دون دعم هذا التيّار .
وهذا واضح وجليّ، بأن الرئيس مهما كان ناجحا أو غير ذلك، فإنه يبقى رئيسا اذا اراد من أراد له البقاء في تيّاره الداعم له، ولنا فيمن سبق خير مثال، وغير ذلك، فالانجازات والنجاحات تبقى محط نقاش وتساؤلات وغير مسلّم بها، وباعتقادي لو كان هنالك معارضة حقيقية تحاسب وتراقب ويقظة في كل شاردة وواردة على مدار الدورة الحالية، لكان الرأي العام مختلف في رؤيته للأمور وذلك ربما يساهم في تحسين جودة العمل البلدي وخدمة المواطن بإنصاف وعدل أكثر.
اذاً، يمكن القول بأن المعركة الانتخابية في هذه الجولة عام 2023 حتى الآن، تدور رحاها حول ميزان قوى العضوية، اذ تسعى أطراف عديدة لعقد تحالفات تضمن لها مقاعدها وحضورها وتأــثيرها في الدورة المقبلة، وكلّي أمل أن تكون عضوية فعّالة حقيقية تراقب وتحاسب وتخدم وتنجز وتفرض حضورها العملي والإعلامي بعيدا عن مشاهد التفرّد بالسلطة من طرف واحد.
أم الفحم مدينة مركزية ومحورية في المجتمع الفلسطيني بالداخل ولها ثقل جيوسياسي، فهي من المدن الكبرى وثالثها بعد مدينتي الناصرة ورهط من حيث تعداد السكان، لكنها الأكثر اهتماما لدى كل دوائر صنّاع القرار في الحكومات المتعاقبة ودوما ما تكون الأعين متجهة نحوها نتيجة نشاطها السياسي والوطني وحتى الإجتماعي والإنساني، وترابطها الوثيق مع الأحداث أينما حلّت ووقعت محلياً وفلسطينياً وإقليمياً.
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات