أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع هذه السرعة في الانفتاح بين أنقرة وأبوظبي، بعدما كان يسود التباعد والاصطفافات وسط تراكمات من الخلافات الثنائية والإقليمية.
والتقارب التركي الإماراتي الذي تجسد اليوم الأربعاء في اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان لم يكن مفاجئا، وإنما سبقه كثير من المؤشرات والسياقات وحتى التصريحات التي مهدت لإعلان لقاء كهذا يتوقع أن يكون مقدمة لشراكة أوسع.
وشارك أردوغان وابن زايد في مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات بين الجانبين عقب لقاء وفدي البلدين بالمجمع الرئاسي بأنقرة.
والزيارة هي الأولى من نوعها منذ 10 سنوات، وتشكل علامة فارقة وذات أهمية كبيرة على صعيد العلاقة بين الدولتين من جهة، وعلى صعيد المحاور المنقسمة التي اصطفت بها دول الإقليم خلال السنوات الأخيرة، من جهة أخرى.
أسباب الانفتاح السريع
مراقبون ذكروا أنه بعد مرور عقد كامل على "الربيع العربي"، انتهت معظم الثورات وخارت قوى جماعة الإخوان المسلمين مما يترتب عليه تخفيف اثنين من مصادر التوتر الرئيسية بين أبوظبي وأنقرة.
وأوضحوا أن الإمارات أدخلت تعديلات على سياساتها تتماشى مع وضعية خفض التصعيد في الإقليم والتي بدأت مع خسارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ومجيء إدارة الرئيس جو بايدن.
وعلى الرغم من إسناد معظم المراقبين أسباب الانفتاح السريع بين الدولتين للملف الاقتصادي؛ فإن سمير صالحة -أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كوجالي- يُخطّئ مَن يعتقد أن انطلاق الحوار التركي الإماراتي سببه اقتصادي كون العلاقات التجارية بين البلدين لم تتراجع على الرغم من كل التوتر في الملفات السياسية.
يُشار الى أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى بين دول الخليج التي تستثمر داخل تركيا بحجم 4.3 مليارات دولار، حسب تقرير لوكالة الأناضول، كما أن مستشار الرئاسة الإماراتية الوزير أنور قرقاش يذكر أيضا أن دولته هي الشريك التجاري الأول لتركيا في الشرق الأوسط.
ملفات التوتر
بدأ التوتر التركي الإماراتي قبل 8 سنوات بعد تطورات الأحداث في مصر، ثم توسع وانتقل إلى الملفات السورية والليبية وشرق المتوسط والموضوع الفلسطيني والأقليات في المنطقة والمناورات العسكرية المشتركة مع اليونان وقبرص اليونانية.
وتولد الشقاق من رحم الانتفاضات العربية، عندما اتخذت تركيا موقفا داعما للثورات ولجماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم الإسلاميين الذين تقلدوا الحكم في عدد من الدول العربية.
وفي النزاع الخليجي، وقفت تركيا في نفس الخندق مع قطر ضد الإمارات والسعودية ومصر، بينما ساعد الدعم الذي قدمته أنقرة الحكومة الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة على صد قوات تدعمها الإمارات كانت تحاول السيطرة على العاصمة طرابلس.
وتبادل البلدان الاتهامات بالتدخل وممارسة النفوذ خارج حدودهما، ووصف أردوغان ذات مرة وزير الخارجية الإماراتي بأنه وقح أفسده المال عندما أعاد الوزير نشر تغريدة وجه فيها انتقادات لقوات العثمانيين أسلاف تركيا الحديثة.
وفي القرن الأفريقي، تتسابق تركيا والإمارات على النفوذ.
وفي سوريا، لا تزال تركيا تقدم الدعم للمعارضة المسلحة المناهضة للرئيس بشار الأسد فيما فتحت الإمارات سفارة في دمشق.
مسار تطور العلاقة
تأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد بعد شهرين من زيارة أخيه طحنون التي جاءت بعد 4 أشهر من اتصال هاتفي بين وزيري خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو والإمارات عبد الله بن زايد، كان الأول من نوعه منذ 5 سنوات، وقد تمّ خلاله تبادل التهاني بحلول عيد الفطر.
وردت تركيا على هذه الرسالة بتعيين سفير جديد لها في أبوظبي لمتابعة الرسائل الجديدة للإمارات والتفاعل معها بإيجابية.
قبل هذا الاتصال كان هناك كثير من الإعداد على مستوى أجهزة الاستخبارات في البلدين، وأُسدِل الستار على الكثير من ملفات الخلاف الثنائي والتصعيد الإعلامي وتبادل الاتهامات عبر الفضائيات والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي.
وعقب لقاء عقده أردوغان مع المسؤول البارز طحنون بن زايد -الذي زار أنقرة في 18 أغسطس/آب 2021- برزت تصريحات رسمية إماراتية تشير إلى سياسة جديدة تنتهجها الإمارات في علاقاتها الدولية، بعدما مرت علاقة أبوظبي مع عدة عواصم -منها أنقرة- بحالة عداء كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية.
وفي تصريح رسمي إماراتي يكشف عن السياسة الجديدة للبلاد، قال المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش إن أبوظبي تعمل حاليا على تعزيز العلاقات مع الجميع، مشيرا إلى أن اختلاف المواقف لن يحول دون تعزيز العلاقات الاقتصادية.
وكتب قرقاش على "تويتر" -في 19 أغسطس/آب 2021- أن بلاده تعمل حاليا على بناء الجسور وتعزيزها وترميمها مع الجميع، والمواءمة بين الاقتصاد والسياسة.
ولا تزال تركيا تحجب المواقع الإلكترونية لبعض المنظمات الإماراتية، بما في ذلك وكالة الأنباء الحكومية، لكن الحكومة أوقفت ما كان في السابق وابلا لا ينقطع من سهام النقد التي تستهدف الإمارات.
اتفاقيات تعاون تشمل 10 مجالات
ووقّع الجانبان اتفاقيات تتضمّن استثمارات مباشرة في 10 مجالات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة.
وتخلّلت الاتفاقيات مذكرات تفاهم من شأنها تعزيز التعاون بين البلدين في عدّة مجالات، من ضمنها التجارة والطاقة والبيئة، فضلاً عن الاتفاقيات المتعلَّقة بالاستثمارات الإماراتية المباشرة في تركيا. (الجزيرة / trt)
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات