قرأت قبل بدء الانسحاب الأميركي من أفغانستان دراسة ترجمها مركز الخطابي بعنوان (كيف تسيطر طالبان على قرية)، ولكن الدراسة على صغر حجمها تعطي مفاتيح مهمة جدًّا في العقلية الطالبانية القبلية بالتأثير في الخصوم. فالدولة الأفغانية في جوهرها كما هو معروف قبلية، ولذا فقد نجحت طالبان نجاحا كبيرا في التعاطي معها والإبحار في تضاريسها أكثر من القوى المناوئة لها التي تعاملت معها بصورة خاطئة على أنها دولة وطنية.
الكتيب الصغير بالتأكيد يتحدث عن نفوذ طالبان في التأثير على القرى من خلال رجال القبائل والوجهاء والنافذين في القرى والبلدات، تساعدها قدرتها على فهم العقلية والتأثير في الأشخاص، فتستخدم الأساليب التقليدية في التواصل المباشر، ولكن مثل هذا التواصل تعزز وتأكد في الفترة الأخيرة وهي الفترة التي أتت مع بدء الانسحاب الأميركي من أفغانستان، إذ يتحدث كثير اليوم عن بدء حملة علاقات عامة كبيرة في كل قرية وبلدة أفغانية، تقوم بها الحركة عبر التواصل مع أقارب وأصدقاء المسؤولين لإقناعهم إما بالتسليم والانضمام إلى الحركة، أو بالهرب كما حدث مع مغادرة مواكب عسكرية ضخمة إما باتجاه كابل أو باتجاه إيران وهو ما شجع الآخرين على الحذو حذوها.
الدعاية الطالبانية كانت قوية جدًّا هذه المرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبمعظم اللغات، بحيث كان أثر العامل النفسي كبيرا جدًّا في زعزعة الثقة بالحكومة الأفغانية وأتباعها، وهو ما عبّر عنه مسؤول أفغاني حكومي كبير خلال حديثه لنيويورك تايمز (New York Times) بأن مناطق سقطت جراء مقاطع فيديو بثت على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن يكون لذلك واقع ورصيد على الأرض.
تبدّى تمامًا أن الحركة الطالبانية تعمل بعقل ومخ واحد، والدليل أن قادتها كلهم تقريبًا باستثناء الناطقين الرسميين ليست لديهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين رأينا التلاوم والانتقادات والتهجمات من قبل مسؤولي الدولة الأفغانية لبعضهم بعضا، حتى بلغت الرئيس نفسه وبصورة مهينة ومذلّة من قبل بعض مساعديه ومسؤولي الحكومة، الأمر الذي عزز التفتت والتشتت وسط الزمرة الأفغانية الحاكمة، في مقابل صف الحركة الطالبانية المتماسك الذي يتحدث بلغة واحدة، يضاف إليه جيش المؤيدين لها على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي وغير العربي، إذ وفر لها مواقعه ومنصاته للحديث عن نجاحاتها وتقدمها.
لقد كشف التداعي السريع لسقوط الولايات الأفغانية بأيدي حركة طالبان عن حقيقة مهمة، هي أن معركة القلوب والعقول التي انشغل بها الاحتلال الأميركي ومن أيّده على مدى عقدين لم تكن إلا وهمًا وسرابًا، ولعل الصورتين اللتين وضعهما على حسابه قائد القوات الأميركية في أفغانستان سابقًا تلخصان الوضع تمامًا؛ كانت الصورة الأولى لشباب وأطفال أفغان غاضبين وهم يرشقون عربة عسكرية أميركية قبل سنوات، والثانية لعربة عسكرية أميركية استولى عليها مقاتلو الحركة الطالبانية قبل أيام وقد امتطاها عشرات الأطفال والشباب فرحًا بالقادم الطالباني الجديد. (الجزيرة نت)
اقرأ المزيد:
نيويورك تايمز: طالبان اكتسحت أفغانستان بعد سنوات من الحسابات الأميركية الخاطئة
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات