قبل تناول الموضوع الأساسي لهذا البيان المقتضب لا بد من التطرق لنقطتين في غاية الأهمية. يحتفل العالم الإسلامي اليوم بحادثة مفصلية هي الأعظم بتاريخ البشرية! انها حادثة الاسراء والمعراج. في منتصف دعوة الحق ومباشرة قبل الهجرة تتعرض الدعوة لخطر وجودي يستفحل فيه الباطل ويظن انه انتصر. في وقت بات فيه جفاء الأرض لا يطاق احتفت السماء برسول الهداية محمد صلى الله عليه وسلم نصرة للحق وازهاقا لباطل قام على ضلال. حادثة محصت القلوب والعقول وأصبحت علامة فارقة بين الشك واليقين و بين الشرك والايمان. رسخت عقيدة المؤمن وزلزلت كيان المشرك. مكافأة ربانية اغاضت الكفار واثلجت صدور المؤمنين. بهذه المناسبة العطرة نقول لامتنا كل عام وانتم الف خير. و في هذه المناسبة أيضا نقول لأهل الطفل محمد عبد الرازق عدس ابن جلجولية وابن المجتمع العربي كله رحم الله فقيدكم وادخله فسيح جناته. ان ردنا على هذه الاعمال الاجرامية هو دعم الحركات الشبابية الموحدة المطالبة بالقضاء على العنف والجريمة والحفاظ على وحدتها, استقلاليتها وسلميتها ومطالبة المسؤولين عن امن وامان المواطنين في هذه البلاد ان يستفيقوا من سباتهم ويقوموا بواجباتهم بموجب معاييرهم الأخلاقية والمهنية! رحم الله محمد والهم اهله الصبر والسلوان.
اما بالنسبة للسؤال الذي طرح في عنوان هذا البيان فالجواب وبشكل قطعي واكيد هو نعم! بل نحن في امس الحاجة الى حراك جماهيري واع ومدرك وملتزم بقضايا مجتمعه لمعالجة الفجوات التي يعاني منها جهازنا التعليمي. سيتم تداول هذه الفجوات بشكل اسبوعي ومسؤول حسب الأولوية كي يطلع المواطن على طبيعتها ويساهم حسب قدراته وموقعه في حلها. من اصعب واعتى هذه الفجوات وأكثرها خطورة على مستقبل التعليم في مجتمعنا هي تدني المهارات اللغوية لدى طلابنا وتردي معرفتهم في علم الرياضيات وفروعه المختلفة خاصة في المرحلتين الابتدائية والاعدادية. ان اتقان المهارات اللغوية الأساسية الا وهي: الاستماع(الانصات/الاصغاء), الكلام, القراءة والكتابة و كذلك المعرفة المعمقة في علم الرياضيات وفروعه هي شرط أساسي لانجاح أي عملية تعليمية. هذه المهارات لم ولن تتغير مع مرور الزمن وستبقى العمود الفقري لاي عملية تعليمية او معرفية. عن أي تعليم نتكلم وعن أي جهاز نتحدث في ظل أداء متردي في هذه المهارات؟؟ اللغات والرياضيات هي بمثابة الاجنحة التي يحلق بها طالب العلم ليصل الى مبتغاه. الاجنحة الضعيفة او المكسرة لا تساعد على التحليق او الطيران.
حينما نتكلم عن جهاز التربية والتعليم في المجتمع العربي نميز بين ثلاثة مجموعات طلابية. مجموعة المتفوقين والموهوبين ومن حالفهم الحظ بان وجدوا بيوتا وبيئة داعمة تعليميا, معنويا وماديا! هذه الشريحة تتراوح ما بين 12-15 % من مجموع الطلاب والطالبات . والشريحة الثانية وهي شريحة الطلاب ذوي القدرات الخاصة والتي تعادل أيضا ما نسبته 15% من مجموع الطلاب. نعتز طبعا بطلاب الشريحة الا ولى ولهم منا كل الدعم و التقدير ونفتخر بطلاب الشريحة الثانية ولهم منا كل الرعاية والاهتمام. الحديث هنا يدور حول الشريحة الثالثة والتي تعادل ما نسبته 70% من طلابنا. المهارات اللغوية لدى هذه الشريحة ومعرفة علم الرياضيات متدنية ولا تتلاءم مع متطلبات القرن الواحد والعشرين بتاتا! نسبة نجاح هذه الشريحة بامتحان الميتساف الخارجي لا تتعدى ال 20% وفي الامتحانات الدولية المتبعة والتي اعتمدها OECD وهي (TIMSS, PISA, PIRLS) لا تتعدى ال 10%!!!. هذه الشريحة تعكس حقيقة المجتمع وتحدد هويته التعليمية والتحصيلية وتعطي صورة حقيقية عن جهاز التربية والتعليم في أي بلد. ( قد يحتج البعض على هذه الاقوال! !! كل من يثبت لي عكس ما أقول أكون له شاكرا وممتنا وسأعتذر عن أي خطأ وقع ولكن لا اظن ان أحدا يجرؤ على فعل ذلك!!). كيف يمكن لطالب لا يملك المهارات اللغوية او الحد المطلوب من معرفة الرياضيات ان يخوض التجربة التعليمية بنجاح؟؟؟
كما وان مهارات القرن الواحد والعشرين صنفت تحت أربعة أنواع معرفية واضحة ألا وهي: معرفة المضامين في موضوع التخصص, المعرفة التعليمية, المعرفة الرقمية/التكنولوجية والمعرفة القيمية, التربوية الأخلاقية. اقر علماء التربية والاجتماع بانه من الصعب اكتساب أي من هذه المعارف الأربعة دون اكتساب واتقان المهارات اللغوية الأساسية الأربعة التي ذكرت انفا . ضعف طلابنا/طالباتنا في هذه المهارات يعني القضاء على فرصهم بالتنافس في سوق العمل وتدني أدائهم الاقتصادي, البحثي والعلمي. الضعف في هذه المهارات له انعكاس خاص على اكتساب المعرفة القيمية/التربوية التي تؤثر بشكل مباشر على هوية, شخصية وثقة الطالب بنفسه وانتاجيته في المجتمع. اكتساب هذه المعرفة يرفع من الروح المعنوية لدى الطالب ويشجعه على مواجة التحديات وتخطي الازمات. يصبح صاحب قلب اقوى والاقلاع والتحليق يحتاجان الى اجنحة قوية وقلب سليم.
اللغة تلعب دورا حاسما في حياة الانسان وفقدانها يشكل خطرا وجوديا على حياته. يستوقفني هنا قول شاعرنا الكبير المرحوم محمود درويش بهذا الخصوص:
"لقد استبد بي هاجس النهاية منذ أدركت أن الموت النهائي هو موت اللغة إذ خُيِّل إليَّ بفعل التخدير أنني أعرف الكلمات، وأعجز عن النطق بها فكتبت على ورق الطبيب. لقد فقدت اللغة أي لم يبقَ مني شيء"
فقد درويش اللغة بسبب التخدير ولاي الأسباب فقدناها نحن وهل بقي منا شيء بعد فقدانها؟؟
اللغة هي مرأة المجتمع و أداة الوصل والتواصل بين افراده والحوار والتحاور بين مكوناته. تحفظ المجتمع من الضياع وتحافظ على دينه , عقيدته, هويته , موروثه ووحدته. لا اداب ولا فنون ولا حضارة بدون لغة. اذا ضاعت اللغة ضاع التاريخ والثقافة والتراث العلم والمعرفة. اللغة تعبر عن الإحساس وتطور الفكر وتبلوره برقي. اللغة تحدد علاقة الفرد بيئته او اقرانه, ذويه والأخر المختلف الذي لا بد وان يتعامل معه.
على المجتمع الذي يسعى لضمان نجاح العملية التعليمية والتربوية ان يضع على سلم أولوياته اكساب أبنائه وبناته المهارات اللغوية اللازمة وخاصة في لغة الام في سن مبكرة. اكتساب اللغة او اللغات بكفاءة في سن مبكرة يجعل الطفل اكثر قوة, نجاعة, ثقة بنفسه وبالأخرين من حوله. الطفل الذي اكتسب اللغة حسب المعايير العلمية والتربوية المقبولة يصبح اكثر قدرة على التعبير والتفكير والتواصل. اتقان مهارات اللغة ومعرفة علم الرياضيات هي سلاح طالب العلم وجواز سفره الأقوى في رحلة العلم. اما العكس فيعني الانطواء والعزلة ولربما التفكير بترك المدرسة في أواخر المرحلة الإعدادية والوقوع في شرك الفئات المتربصة والمارقة لا سمح الله.
وللتعامل مع هذه القضية الكأداء على المستوى المحلي ولكي لا تتفاقم الأوضاع اكثر وتزداد سوءا خاصة في ظل ازمة كورونا لا بد من تقديم التوصيات العملية التالية:
1- اجراء مسح شامل لطلاب الابتدائي والاعدادي لاجراء امتحان مهارات لغوي في هذا الجيل ( بموجب جلسة مجلس إدارة بلدية ام الفحم 4/2021 يوم الثلاثاء الموافق 16/2/2021 طلب من مدير جناح المعارف التوجه الى مدير اللواء لاجراء هذا المسح والسماح بشكل استثنائي لاجراء هذا الامتحان!)
2- اجراء مسح ميداني شامل بكل ما يتعلق بالتعلم عن بعد ولقياس دخول الطلاب في الزوم ومعرفة جودة المشاركة بهذا النوع من التعلم (وقد بدأ فعلا اجراء هذا المسح).
3- تشكيل مجلس تربوي فحماوي اعلى يتركب من ذوي الاختصاص والكفاءة والتجربة لطرح ومناقشة القضايا المتعلقة بجهاز التربية والتعليم في ام الفحم ومحاولة معالجة الفجوات وتعزيز الإنجازات ورسم خطة مستقبلية واضحة تضمن سيرورة عمل انجع وافضل في كل المراحل التعليمية.
4- انشاء صندوق خاص لتطوير التعليم بشكل عام ولمعالجة قضية تدني المهارات اللغوية والرياضيات في المرحلتين الابتدائية والاعدادية بشكل خاص
5- اجراء مسح ميداني شامل لمعرفة عدد أبنائنا وبناتنا الاكاديميين من أصحاب التخصصات الملائمة ومعرفة كيفية توظيفهم لتحقيق هذا الهدف.
6- وضع برنامج عملي واضح يشمل المضامين القيمية, الدينية والوطنية التي يجب تدريسها لطلابنا في مراحل تعليمهم المختلفة
7- اجراء تقييم مهني وشامل لكل جوانب جهاز التربية والتعليم وعدم الاكتفاء بتسوق انتقائي لبعض البرامج والإنجازات.
أخيرا لا بد من كلمة شكر لرئيس وأعضاء بلدية ام الفحم على دعمهم الدائم وتفهمهم العميق لكل القضايا المتعلقة بجهاز التربية والتعليم في بلدنا. كما واشكر مدير وأعضاء جناح المعارف على تعاونهم, مهنيتهم واستعدادهم الدائم للتعامل مع التطورات والمتغيرات بما يخدم أبنائنا ومجتمعنا!
سلم الله أهلنا وبلدنا و الله الموفق والمستعان!
الكاتب: د. علي خليل جبارين- نائب رئيس بلدية ام الفحم رئيس جناح المعارف / محاضر في اكاديمية القاسمي
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات