لم يكن شغف الامير ألوغ بيك في الحرب والسياسة كبيراً كسائر اقرانه من التيمورين، بل تركّز في تحصيل العلوم, تحديداً علم الفلك والرياضيات، الامر الذي كان ثمرته المرصد الفلكي في سمرقند؛ اعظم مرصد فلكي في حينه.
ولد ميرزا محمد حفيد "تيمورلانك" او "الامير تيمور" عام 1394 في مدينة السلطانية في ايران، واشتهر بلقب اولوغ بيك، اي"الأمير الكبير منذ شبابه".
أظهر ألوغ بيك ميولاً كبيرة نحو العلوم والفنون منذ صغره، ووجد ضالته في الرياضيات وعلم الفلك. فكان يمضي جل اوقاته في المكتبة الضخمة التي جمعها جده وأبيه، مما ساهم في توسيع آفاقه الفكرية والعلمية.
كما وحصل على تعليم متميز بمقاييس تلك الأيام. وأتقن اللغات العربية والفارسية، وأجاد النظريات والأساليب الأدبية وشارك في المناظرات الأدبية، وبرع في كتابة الشعر.
ودرس على أيدي أبرز العلماء المشهورين في بلاط الأمير تيمور، آنذاك، وكان من بينهم: عالم الرياضيات والفلك كاظم زاده رومي، الذي أطلع ألوغ بيك وهو في سن التاسعة على بقايا المرصد الفلكي الشهير في ماراغ (جنوب أذربيجان).
تمثال الوغ بيك في سمرقند
بقيت صورة بقايا مرصد ماراغ الفلكي محفورة في ذاكرة الامير الشاب، وكان حلم اعادة بناءه يحاصره اينما ذهب.
ولما سطع نجمه وتفوق على جميع قرنائه، عينه أبوه واليا على سمرقند وهو ابن ستة عشر سنة. فتحولت سمرقند أثناء حكمه إلى عاصمة للعلم والثقافة وصارت أحد المراكز العالمية للعلوم في القرون الوسطى. ونشأت حوله مدرسة علمية متكاملة، جمعت أبرز علماء ذاك الزمان من كافة العلوم.
ولما مات ابوه وصار الامر اليه اهتم بإنشاء المراكز العلمية، فبنى مدرسة في سمرقند واخرى في بخارى واستدعى إليها ابرز علماء الفلك والرياضيات فكانت بمثابة الجامعة في ايامنا هذه. وكان من بين تلامذته المعروفين الرياضي غياث الدين الكاشي.
اما درة التاج، فكان مرصد الوغ بيك للنجوم، والذي وضعوا فيه الجداول السلطانية التي تسمى بالفارسية الزيج والتي كانت دقيقة جدا. كما وتمكنوا من تصحيح وتدقيق موقع 992 نجم، وأضافوا إليها 27 نجماً زيادة على ماذكره عبد الرحمان الصوفي في كتابه "النجوم الثابتة".
حدد ألوغ بيك طول السنة النجمية ب 365 يوماً و6 ساعات و10 دقائق و8 ثواني, أي ان هامش الخطأ هو لم يتجاوز ال 58 ثانية!
ما تبقى من مرصد الوغ بيك في سمرقند
لم يكن ألوغ بيك قويا في السياسة والإدارة مثل براعته في العلوم حيث خسر معارك كثيرة وهاجم بلا رحمة سكان مدينة هرات بعد هزيمته لميرزا علاء الدولة.
وكان يمضى معظم وقته في المرصد الفلكي، ويخصص وقتاً قليلاً لأعمال الدولة والحكم. وكان إبنه الأكبر عبد اللطيف، طامعا في الحكم, فانتهز رحلة ابيه الى الحج وفي الطريق إلى مكة المكرمة قتل ألوغ بيك على يد أحد الخونة الذي ارسله ابنه.
وبعد مأساة مقتل ألوغ بيك العظيم دعت فئة من رجال الدين للقيام بتخريب المرصد الفلكي. وجرى طرد العلماء الذين عملوا في هذا المركز العلمي الهام. وسرقت محتويات مكتبته القيمة، وخربت محتويات المبنى. وحتى نهاية القرن الـ 17 الميلادي لم يبق منه أي شيء.
وتراث أولوغ بيك العلمي الغني يشهد على أنه كان ليس ابناً عظيماً للشعوب الإسلامية فقط، بل وموهبة إبداعية قدمت إسهاماً قيماً لتطوير العلوم والحضارة الإنسانية. ولهذا وبعد مرور عدة قرون وحتى الآن بقي اسم أولوغ بيك رمزاً يوحد شعوب الشرق والغرب من أجل الأهداف النبيلة.
ويدرس تراث أولوغ بيك العلمي والمعنوي في الوقت الراهن في أبرز المؤسسات التعليمية والمراكز العلمية في العالم. وبمبادرة من رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف أطلق اسم هذا العالم البارز على الجامعة القومية في أوزبكستان، وهو ما يشهد على المقدرات العلمية والتربوية العالية التي تتمتع بها جمهورية أوزبكستان.
فناء احدى المدارس التي بناها الوغ بيك
ساحة الرجيستان وتظهر فيها مدرسة الوغ بيك في سمرقند
فناء احدى المدارس التي بناها الوغ بيك
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات