لم يعد سرًا أن تنظيم البيت الفحماوي هو مجرد اعادة صياغة للحركة الاسلامية السابقة قولًا وممارسة مع تعديلات طفيفة، من بينها اختيار "دكتور" ورجل أكاديمي لرئاسة الحزب بخلاف ما جرت عليه العادة باختيار "شيخ" لرئاسة الحركة ولكن حرص "اولي الأمر " داخل البيت الفحماوي بان يكون هذا الرئيس سلفي الهوى والمذهب.
لذا نرى الدكتور سمير وبيانات البلدية لا تخاطب الناس بعقلية المهني والإداري في القضايا المفصلية كقضية العنف مثلا بل يخاطبهم بعقلية دعوية، ففي بيانه اثر مقتل المرحوم محمود اغبارية، خرج الرئيس ببيان دعوي بعنوان " اما آن الأوان ان نعود الى الله والتربية الحسنة " علما ان المغدور لقي مصرعه عند مدخل الجامع بعد قضائه صلاة العشاء، ويتابع الرئيس بدعوة الناس لمحاسبة أنفسهم والعودة الى الله والتربية وغيرها من المواعظ التي تصل حد ملامة الضحية بدل لوم الجاني الحقيقي المتمثل في الدولة وسياستها في نشر العنف والسلاح لتفكيك المجتمع وبتر أوصاله كما أشارت جمعية "سيكوي" في إحصاءاتها حول معدل الجريمة المتصاعد وسياسة الدولة واجهزتها ودورها الفاعل في تنشيط عمل عصابات الإجرام، ثم ينتهي الرئيس في بيان اخر يطرح من خلاله تشكيل لجنة صلح اخرى على رأس الحلول لمواجهة آفة العنف وهذا بالإضافة لتعاون الرئيس مع مجلس الافتاء للبحث في حلول بدل الاستعانة بباحثين ومختصين أكاديميين ومهنيين وتقديم الخطط العملية كشرطة جماهرية وغرفة طوارئ ووضع كاميرات مراقبه وتجنيد الميزانيات لذلك كما هو متوقع من رئيس مهني .
اما في القضايا اليومية وفي ادارة جدول أعمال البلدية نرى الرئيس يتخبط في بعض الملفات كديون البلدية والعجز وخطة الإشفاء والجانب الاقتصادي وتقديم الخدمات الأساسية، ويراوغ في بعض الملفات مثل موضوع الهوائيات وملف النظافة والمنتزهات العامة والملعب البلدي والخارطة الهيكلية.
ورغم تأرجح الرئيس بين تخبطاته ومراوغاته وبحثه عن مدير عام يساعده للخروج من أزمته الا ان الرئيس ما زال يصر على تسويق نفسه كإداري ناجح وهو لم يتزحزح عن خطابه الاستعلائي الذي رأيناه في أول أيامه كرئيس بإحراجه لمن هو اليوم نائبه، هذه النزعة الاستعلائية لدى الرئيس تفاقمت بعد انتخابه فنراه في بياناته الاخيرة يهاجم من ينتقدوه بالجملة ويرى بهم محبطين واعداء للوطن يحاولون عرقلة عجلة التقدم التي يقودها الرئيس وسط بربوغاندا اعلامية ترافق حراك الرئيس وكأن الانتخابات لم تنته بعد .
فلا شك ان البيت الفحماوي يرى بالمقاعد الخمسة التي حصل عليها وبائتلافه مع قائمة التوحيد من أصل ١٧ مقعد هي إخفاق عظيم، لذا نرى التنظيم داخل هذا البيت فاعلا وناشطا في فعاليات التجنيد وعقد المؤتمرات والحلقات الدراسية وحراكات جماهيرية لتعزيز مكانته بالمجتمع، والسعي لمضاعفة قوته في الدورة الانتخابية القادمة وهي غايه ليست بالبعيدة نظرا الى ان الساحة السياسية فارغة، فشباب التغيير لم يرتقوا لمرحلة النضوج السياسي وتكوين تنظيم حزبي، ولم يتعدوا كونهم "مجموعة أصدقاء " يتصرفون بصبيانية احيانا، ونور المستقبل تنظيم يحمل روابط عائلية وليس روابط حزبيه لذا ترى أعضاءه يكادون يطلون علينا بالأعياد فقط، وفي ظل هذا المناخ السياسي فإن طموح البيت الفحماوي بمضاعفة قوته هو ليس ببعيد المنال .
ولكن لتحقيق ذلك على الرئيس الحالي ان يقدم "فواتير" وانجازات على ارض الواقع، ومحاولة الحزب دعمه بالأعمال التطوعية كترميم صحية هنا ورياض أطفال هناك وتنظيف حي او استصلاح منتزه هي نشاطات لا تتعدى كونها "تضميد بعض الجراح " وتقديمها على انها انجازات فعلية ليس بكاف لأن الرئيس مطالب بخطوات عملية اكثر وإصلاحية لكي يثبت استقلاليته عن سلطة المال السياسي، وهذا يحتاج من الرئيس فتح ملفات من شأنها ان تقض مضاجع من اغتنوا من خصخصة الملك العام وبنوا ثرواتهم على فساد الإدارات السابقة.
ولكي ينتقل الرئيس الى مرحلة الإنجازات الحقيقية عليه تحطيم هذا الحاجز الزجاجي لأنه لا يعقل ان تتخذ الإدارة الحالية أقصى الإجراءات ضد المواطن البسيط لدفع مستحقاته للبلدية بينما رجال الأعمال وأصحاب النفوذ يحظون بتسهيلات وإعفاءات لم ينزل الله بها من سلطان .
وبين اداء الرئيس الضعيف في ادارة البلدية والذي كثيرا ما نراه يجلس كطالب لم يقم بواجباته المنزلية أمام ما يطرحه عضو المعارضة المحامي توفيق سعيد من تساؤلات في كثير من الملفات التي تطرح وتناقش على جدول أعمال المجلس البلدي وبين اداء البيت الفحماوي القوي والمتماسك تنظيميًا نجد نفسنا مرة اخرى أمام الجدل القائم حول استقلالية القرار السياسي لرئيس البلدية في قضايا خلافية مع القيادة الاسلامية داخل البيت الفحماوي والتي تشكل المرجعية السياسية لهذا التنظيم، فرأينا مثلا التباين بالمواقف في انتخابات الكنيست التي اتخذ بها الرئيس موقفا براغماتيا مؤيدا للتصويت كما وشارك الرئيس في ترويج خدعة استطلاعات الرأي الوهمية التي قامت بها بعض السلطات المحلية بتزامن مع موعد الانتخابات وبالتعاون مع القيادة البرلمانية في القائمة المشتركة لرفع نسبة التصويت بالوسط العربي، وكان هذا الموقف للرئيس معاكس لموقف البيت الفحماوي ومرجعيته الإسلامية المقاطعة للانتخابات الكنيست.
واليوم نرى النزاع القائم حول هوية المدير العام المرتقب، والبعد الديني والسياسي لهذا التعيين، لذا فان هذا الصراع الذي يقوده الدكتور سليمان احد ابرز المؤسسين والقيادة السابقة للحركة الاسلامية فهو اما ان يكون صراعا تكتيكيًا واعلاميا ليثبت استقلال الرئيس في قرارته الإدارية عن القيادة السياسية داخل البيت الفحماوي ومحاولة للتأكيد على عدم تبعية الرئيس لأصحاب النفوذ والمال السياسي، وسعيه لتحصيل الميزانيات وسداد عجز البلدية من خلال تعاونه مع أذرع الدولة الصهيونية ووزاراتها المختصة بعكس ممارسات الإدارات الإسلامية السابقة التي اعتمدت في اداراتها سابقا على المال السياسي، وفي ذات الوقت القيادة السياسية تنفي عن نفسها ما يمكن ان يصيبها من "شوائب" جراء تلك القرارات الحتمية والمفروضة على الرئيس بتوصيات وزارية وتحافظ هذه القيادة على "بياض صفحتها " وعلى التزامها للمرجعية الدينية داخل "البيت"، وإما يكون صراعا حقيقيا وان الدكتور سليمان كرجل أعمال ورئيس بلديه سابق واداري ناجح لأكبر الشركات في البلاد يرى فعلا ان الدكتور سمير لا يملك الأدوات ولا الخبرة والمهنية اللازمة في اختيار الخبراء وذوي الكفاءات المناسبة لإعانته في إدارة الأزمة المالية التي تمر بها الإدارة الحالية في المجلس البلدي وبهذا يؤكد الدكتور سليمان على الأداء الضعيف للدكتور سمير في إدارة البلدية ويصح المثل القائل "فشهد شاهدٌ من أهله " .
وسواء كان هذا او ذاك فان الدكتور سمير بحاجة فعلا لتحسين أدائه وتطوير سياسته وخططه الإصلاحية لان المدير العام في نهاية المطاف مجرد موظف زاد شأنه او نقص فهو يقوم بتطبيق وتنفيذ تلك السياسات والمهام التي يوكلها اليه رئيس البلدية .
وللكلام تتمة
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات