في تحقيق مطول لمجلة “فانيتي فير” حول الطرق التي استخدمتها السعودية لإسكات المعارضة من خلال الإعتقال الترحيل القسري أو القتل أعده أيمن محي الدين.
وبدأ بالحديث عن الأمير خالد بن فرحان آل سعود الذي يعيش في ألمانيا ويتأكد من حركاته في مدينة دوسلدورف حيث تتصل به الشرطة دائما للتأكد من سلامته. وقد أثار الأمير غضب العائلة في الرياض بمطالبته بحقوق الإنسان وأكثر من هذا تحدث علنا، وهذا أمر ليس عاديا من أحد أفراد العائلة، عن رغبته بإنشاء حركة سياسية. وتحدث في مقابلة مع الكاتب عن حادثة وقعت في حزيران (يونيو) 2018 عندما اتصلت به أمه وعرضت له العودة وإصلاح ذات البين مع العائلة. وكانت والدته التي تعيش في مصر حيث اتصلت بها السفارة السعودية في القاهرة كي تقنعه بالعودة مقابل 5.5 مليون دولار أمريكي. ومع أن العرض كان مغريا لأنه كان يعاني من مشاكل مالية إلا أن اتصالاته اللاحقة مع السفارة أكدت له خطورة قبول العرض خاصة بعدما قالوا له إن الشرط للحصول على المبلغ هو الحضور إلى القنصلية أو السفارة.
وبعد فترة قرأ بن فرحان أخبار مقتل جمال خاشقجي، صحافي “واشنطن بوست” الذي دخل قنصلية بلاده في اسطنبول للحصول على أوراق خاصة ولم يخرج منها. وأشارت التسجيلات التي سربها الأتراك إلى قتله وتقطيع جثته وإخفائها. وشجب العالم الجريمة إلا أن إدارة دونالد ترامب والمسؤولين الكبار وصهره جارد كوشنر واصلوا التعامل مع السعودية كأن شيئا لم يحدث. بل واستقبل ترامب ولي العهد محمد بن سلمان على إفطار في حزيران (يونيو) 2019 وهنأه على العمل “الرائع” الذي يقوم به. وأشار الكاتب هنا لدور عبد العزيز المطرب بالجريمة والذي قام بعدة اتصالات مع سعود القحطاني مستشار ولي العهد قبل وبعد تنفيذ الجريمة في القنصلية. وقد اندهش بن فرحان وهو يراقب الأخبار ويشاهد خاشقجي وهو يدخل القنصلية لأخر مرة واكتشف أنه برفضه الذهاب إلى القنصلية لأخذ المال فإنه تجنب نفس المصير.
مونتريال
وأشار الكاتب إلى عمر عبد العزيز الناشط السعودي المقيم في مونتريال بكندا، والذي كان صديقا لخاشقجي وتعاونا معا في عدد من المشاريع منها نشر تقارير عن مصير المعتقلين السياسيين في السعودية وإنشاء جيش النحل لمواجهة دعاية الذباب الإلكتروني. والتقى الكاتب عبد العزيز بفندق بمونتريال حيث استعاد حادثا حصل له في أيار (مايو)عندما وصل إلى كندا ممثلان عن البلاط الملكي ويحملان رسالة من محمد بن سلمان. وكان معهما شقيق عبد العزيز الأصغر، أحمد حيث حثوه في عدد من اللقاءات التي تمت في المقاهي والمتنزهات على وقف نشاطه وانتقاداته للحكومة والعودة إلى بلاده. وطلبوا منه زيارة السفارة لتجديد جواز سفره. وكانت الرسالة واضحة أنه لو استمر في نشاطاته السياسية فستكون عائلته في خطر. واكتشف خلال النقاشات ان شقيقه يتعرض للضغوط. وعندما رفض العرض تم اعتقال شقيقه حال عودته إلى السعودية، ولا يزال حتى هذا الوقت في المعتقل. وبعد شهر من زيارة شقيقه وأربعة أشهر قبل مقتل خاشقجي اكتشف عبد العزيز أن هاتفه قد اخترق حيث تمت القرصنة على معلومات حساسة تتعلق بخطط له مع خاشقجي. ورفضت الحكومة السعودية الرد على أسئلة تتعلق بعبد العزيز أو بمحاولات اختطاف معارضين آخرين. وكذا السفارة السعودية في واشنطن التي لم ترد على عدة طلبات من “فانيتي فير”.
الطائف
ويشير التقرير إلى يحيى العسيري الذي كان يعمل في قسم الإمدادات اللوجيستية في سلاح الجو الملكي ومقره مدينة الطائف. وفتحت زياراته للأسواق المحلية في القرى القريبة من المدينة الجبلية عينيه على حالة الفقر والفساد والتباين في مستويات الحياة في المملكة. وزاد وعيه من خلال دخوله على منابر الحوار في الإنترنت التي لم تكن ممنوعة في ذلك الوقت، أي 2008. وتطورت العلاقة من منابر الحوار إلى علاقات شخصية مع أفراد قلقين على الحال في البلاد حيث كانوا يلتقون سرا في بيوت بعضهم البعض. وأشار العسيري إلى الدعوة من مسؤوله في سلاح الجو عام 2008 إلى مكتبه. وسأله عن استخدامه للإنترنت، حيث أنكر أنه يعرفها جيدا، مشيرا إلى أن زوجته تلجأ إليها أحيانا بحثا عن وصفات للطعام. ولكن الضابط أمسك بملف عنوانه “أبو فارس” أرسلته المخابرات التي رصدت منشورات ومقالات ناقدة للحكومة كتبها شخص بكنية مستعارة “أبو فارس” وسأله الضابط، هل انت أبو فارس. وبعد محاولات اقتنع فيها المسؤول أن لا علاقة للعسيري بالملف، لكنه بعد اللقاء بدأ خطته حيث استقال من عمله وقدم طلبا للتدريب في لندن، وبعد أشهر كان هو وزوجته في بريطانيا.
شبكة ملاحقة
ويرى الكاتب أن الأمير والناشط وضابط الطيران هم من المحظوظين، وهم أمثلة عن عدد من المعارضين الذين حاول النظام السعودي تصيدهم، رشوتهم أو إجبارهم على العودة. وفي بعض الأحيان كان النظام يرسل عملاءه إلى الخارج لتصيد وإسكات المعارضين، ومن انتهوا في أيديهم كانوا يعدون من المختفين. وهناك من سجنوا ومن لم يسمع عنهم أبدا. ومع أن الحادث المعروف والأشهر عن الإختطاف وقع عام 1979 عندما اختفى معارض للسعودية من بيروت إلا أن عمليات الإختطاف تزايدت مع وصول محمد بن سلمان إلى السلطة. والأهداف هي من تراها القيادة السعودية خطيرة وتعمل ضد مصالح الدولة: معارضون وطلابا وأمراء خارجين ورجال أعمال بارزين بالإضافة لاعداء محمد بن سلمان في عدد من الدول بما فيها بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وسويسرا وفرنسا والأردن والإمارات العربية المتحدة والكويت والمغرب والصين. وهذا لا يشمل السعوديين في الداخل الذين طالتهم عملية القمع. ففي نيسان (إبريل) 2019 أعدمت السلطات 37 سعوديا منهم شاب كان قاصرا وقت اعتقاله. وقبل عامين شن محمد بن سلمان حملة اعتقالات بذريعة مكافحة الفساد طالت أمراء ورجال أعمال ومسؤولين أفرج عن الكثيرين منهم بعد دفعهم أموالا ولا يزال مصير 64 منهم غير معروف. وقام الكاتب بتحقيق غطى ثلاث قارات والتقى فيه 30 شخصا، ناشطا وخبراء في الأمن القومي وأقارب المختفين ومسؤولين أمريكيين وأوروبيين وشرق أوسطيين حيث تجلت الصورة عن محاولات السعودية إعادة وسجن وحتى قتل المعارضين.
زمن القحطاني
ويرى الكاتب أن عملية ملاحقة المعارضين للنظام بدأت في معظم الأحوال من خلال مراقبة الإنترنت. وفي السعودية لم تكن هذه محلا للرقابة بل نظر إليها الملك عبد الله كوسيلة لردم الهوة بين الحكام ومواطنيهم. وكما يقول غربي مقيم في السعودية يقدم النصح لمؤسساتها في مجال الإنترنت: “في البداية لم يكن هوس المملكة بوسائل التواصل لمراقبة المعارضين ولكن لتحديد المشاكل المجتمعية”. و “كانت من أجل منح الحكومة فرصة لتحديد مظاهر الضعف الإقتصادي والنقاط العمياء ولتتدخل قبل أن تنفجر”.
ويشير إلى ان مدير الديوان الملكي في عهد الملك عبدالله خالد التويجري اعتمد في بداية على شاب طموح تخرج من كلية القانون اسمه سعود القحطاني الذي كلف بتجميع فريق مهمته مراقبة كل أشكال الإعلام وبتركيز على الامن الألكتروني. وبعد سنوات سيكتشف عسيري أن غرفة النقاش التي كان يدخل إليها كانت مرتبة وأنشأها المسؤولون عن الأمن الألكتروني السعوديين لجر الأخرين إليها. وفي الكثير من المنابر التي أنشئت كان القحطاني وراءها حسب شهادات ناشطين. وأسهم القحطاني في تشكيل سياسة المملكة في الأمن الألكتروني حيث شملت شبكته على قراصنة لملاحقة نقاد الحكومة في الداخل والخارج. وعمل القحطاني حسب تقرير مع شركة “هاكينغ تيم” الإيطالية التي تقوم ببيع أنظمة للقيام بالهجمات الألكتروني، فيما تتبعت تقارير أخرى علاقة السعودية إلى مجموعة أن أس أو الإسرائيلية التي طورت برمجية باسم “بيغاسوس” الذي لعب دورا في ملاحقة ثلاثة معارضين على الأقل. وظهر هذا التطور في الوقت الذي عين فيه محمد بن سلمان مستشارا بارزا للديوان الملكي وبعد ذلك وليا للعهد عام 2017. وفي الوقت نفسه عانت السعودية من آثار تراجع أسعار النفط وتداعيات حرب اليمن التي شنها محمد بن سلمان والأسباب التي قادت إلى الربيع العربي والمخاوف من الإضطرابات الداخلية. وكرئيس لأهم مجلسين في البلد مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الإقتصادية “ركز ولي العهد السلطة في يده” وبعدها سيسطر على سياسة البلد الخارجية والداخلية والجيش والحرس الوطني والمخابرات. وكانت بمقدوره تشكيل فرقه الأمنية وهنا انتعش القحطاني بصفته مديرا لمركز دراسات الشؤون الإعلامية والفدرالية السعودية للأمن الألكتروني والبرمجة والطائرات المسيرة.
ملاحقة الناشطين
وبعد اغتيال خاشقجي كشف عن عمليات قامت فيها السعودية بخرق سيادة دول في محاولة لجلب المعارضين، كل هذا رغم تصوير الحكومة السعودية عملية قتل وتقطيع خاشقجي بالعملية المارقة. بل وكشف صحافي لوكالة رويترز في مقال له عن وثائق تتعلق بجلب المعارضين بمن فيها وثائق لها علاقة بخاشقجي تحديدا. وبحسب المقال فعمليات التفاوض على عودة المعارضين ومحاولة اختطافهم هي جزء من “حملة لمنع تجنيد حكومات أجنبية للمعارضين السعوديين”. وبحسب سعوديين يقيمان في الولايات المتحدة فقد اتصل بهما عملاء فدراليين وأعطوهما بطاقات للإتصال من أجل توفير الأمن لهما حالة الضرورة. وقال مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي أي) أن المكتب يقوم بالتفاعل مع أبناء المجتمعات لبناء علاقات متبادلة وحماية الرأي العام الأمريكي. ونفس التهديدات برزت في كندا وفي أوروبا. ففي نيسان (إبريل) تلقى الناشط الفلسطيني إياد البغدادي المقيم في أوسلو تحذيرات من المخابرات النرويجية أن قيادة محمد بن سلمان تعتبره عدوا للدول. وكان البغدادي وهو صديق خاشقجي يعمل قبل أسابيع على مساعدة مدير أمازون جيف بيزوس الذي كان هدفا للقرصنة السعودية.
في دول حليفة
وتمت بعض العمليات لإسكات المعارضة في دول حليفة للسعودية، وواحدة منها كانت في فرنسا حيث تم تخدير الأمير سلطان بن تركي الذي عاش في أوروبا لعدة سنوات. ويصف الكاتب ما حدث له من خلال مقابلة مع ثلاثة أمريكيين كانوا من حاشية الأمير، كيري، أدرين وبليك، وهي أسماء مستعارة. ففي كانون الثاني (يناير) 2016 وصل الثلاثي مع الفريق الطبي وأصدقاء الأمير إلى مطار بورجيه خارج باريس. وذلك لركوب طائرة الأمير الخاصة التي كانت ستقلع من باريس إلى مصر. وعندما وصلوا المطار وجدوا طائرة بحجم أكبر من نوع “بوينغ 737 – 900 إي أر” التي اعتقدوا أنها من السفارة السعودية في فرنسا. وحصلت المجلة على صورة للطائرة وعليها “المملكة العربية السعودية”، وتأكدت المجلة من أن المعلومات على ذيلها تشير إلى أنها مملوكة من السعودية. وعندما دخلوا الطائرة لاحظوا أن معظم طاقم الطائرة هم رجال. وكان أمرا غريبا إلا أن الأمير وحاشيته جلسوا في طائرتهم وانطلقت في الساعة 7.30 مساء إلى القاهرة. وبعد ساعات من الطيران أطفئت الأنوار وتم توجيه الطائرة إلى الرياض. وعند وصولها إلى يتذكر كري أن الأمير سلطان جر إلى مدرج الطائرة، وكان يصرخ “القحطاني القحطاني”. ويتذكر كري وبليك كيف تم نقل بقية الطاقم المرافق للأمير إلى فندق ريتز حيث تم استدعاؤهم واحدا بعد الآخر للتوقيع على ورقة تعهد بعدم الكشف، وبعد ثلاثة أيام سفروا من السعودية. ورغم زعمهما مشاهدة سعود القحطاني في الفندق إلا أنهما لم يستطيعا التعرف على صورته. أما الأمير سلطان فلا يعرفان عنه وماذا حدث له. ومثل سلطان اختفى الأمير سعود سيف الناصر الذي كان يعيش في فرنسا وكتب تغريدة يوافق على رسالة في عام 2015 تدعو إلى انقلاب. ويعتقد صديق أنه تعرض لعملية خداع وجر إلى السعودية للمشاركة في عملية تجارية وهمية.
كما وأوقفت السلطات المغربية في عام 2015 الأمير تركي بن بندر الذي كان في الشرطة السعودية وفر إلى باريس وبدأ بالمطالبة بالتغيير السياسي. وكانت ذريعة المغرب لإيقافه هي أن هناك أمر من الإنتربول باعتقاله وتم ترحيله إلى السعودية. كما واختفى الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان الذي تزوج ابنة الملك عبدالله، وكان يتحرك بسهولة بين المسؤولين الامريكيين وأبناء العائلات المالكة في أوروبا. وفي العام الماضي اختفى عندما استدعي لواحد من القصور الملكية في الرياض. ورغم اعتقاله بسبب التشويش على الأمن إلا ان تهما لم توجه ولا يزال معتقلا إلى جانب والده الذي ضغط للإفراج عنه. وأشار الكاتب إلى تصريحات مدير المخابرات السعودي السابق الأمير تركي الفيصل والذي قلل من أهمية “من يدعون بالأمراء” ووصفهم بـ “المجرمين”. وقال “لا نحب نشر هذه الأمور لأننا نتعامل معهم كمشكلة داخلية، بالطبع هناك أشخاص عملوا لجلبهم، وهم هنا ولم يختفوا وتتصل بهم عائلاتهم”. ومهما كانت مصداقية تصريح الفيصل فالأمراء ليسوا هم هدف حملة الملاحقة بل وهناك فنانون ورجال أعمال وصحافيون وكتاب. وبحسب “مراسلون بلا حدود” فهناك 30 صحافيا معتقلين الأن في السعودية. ومن هؤلاء نواف الرشيد، الشاعر الذي لا يعرف عنه اهتماما بالسياسة ولكنه ينتمي لعائلة معروفة في السعودية ومنافسة تاريخيا لآل سعود. ونسبة كان كافيا لأن يعتقل حسب خبراء. ففي العام الماضي عندما كان يريد السفر من الكويت بعد زيارة لها أوقف ونقل إلى السعودية وبقي في مكان مجهول لأكثر من عام. ورغم الإفراج عنه إلا أن محاولات الإتصال معه فشلت. وكذا تم اختطاف مستشارين لأمراء سعوديين مثل فيصل الجبرا والذي كان مساعدا للأمير تركي بن عبدالله آل سعود. وتم نقله من عمان عام 2018 إلى السعودية. وهناك مخاطر على الاكاديميين والطلاب في بعثات دراسية ويتم ابتزازهم عندما يطلبون جوازاتهم بالعودة إلى بلادهم. ويشير الكاتب إلى قصة عبد الرحمن السدحان، الذي تخرج من أمريكا وعاد للعمل في السعودية المتغيرة وهو معتقل منذ العام الماضي، ولم تسمع منه والدته المقيمة في أمريكا ولا أخته. وفي نفس اليوم الذي اختفى فيه السدحان تم اختطاف لجين الهذلول التي كانت تدرس في جامعة السوربون- فرع أبو ظبي ونقلت إلى السعودية ولا تزال في السجن الذي تعرضت فيه للتعذيب والتهديد بالإغتصاب والقتل. وفي النهاية يقول محي الدين إن الذين ارتكبوا هذه الجرائم قد لا يقدمون للمحاكمة أو يعاقبون جراء أفعالهم.
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات