معظم منشورات "غدا أفضل" و"لم يشقيك إلا ليسعدك" و"الضوء ينتظرك في آخر النفق" هي عبارة عن مخدرات عاطفية. فلو افترضنا أن اليوم أسوأ من الأمس، وقد حدث هذا كثيرا، فإن هذا اليوم كان في مرة "غدا أسوأ"!
أفهم أن التفاؤل يعطي طاقة إيجابية وكل كلام التنمية البشرية هذا، ولكن المسار الأفضل للتفكير والشعور هو التفكير الواقعي بالمشكلة نفسها التي تسبب الحزن أو الضيق أو الهمّ ومحاولة حلّها من جذورها، فلو كانت مثلا فقرا ماديّا فعلى المرء دراسة كل فرص العمل والحصول على مال، وإذا كانت تأخرا دراسيا فعليه أن يفكر في أخطائه السالفة وكيفية تصحيحها ووضع خطة للنجاح، وهكذا قس على سائر هموم الناس.
في اللحظة التي تعتمد نفسك على الغد الأفضل مع ابتسامة ساذجة فإنها لم تفعل أكثر من الاتكاء على عصا لا أرض تسندُ طرفَها الأسفل!.
التفكير الواقعي يحتّم علينا وضع كل الاحتمالات للغد الذي لا نملك نحت تفاصيله على مزاجنا، هذا كخطوة أولى، وهذا يتضمّن بالمناسبة ألا نفترض الغد الأسوأ أيضا كما يفعل السوداويون، أما الخطوة الأهم فهي تحديد مساراتنا من الآن والانتباه لكل خطوة نخطوها، فالذي يبحث عن غدٍ ماطرٍ لا يتجه بخطواته للجنوب صوب الصحراء، والذي يبحث عن غدٍ لا ثلج فيه لا يتّجه صوب جبال الشمال الباردة!.
قد تكون نتيجة شقائك الحالي شقاء أكبر في الغد؛ لأنك ممعن في خوض سراديب الشقاء! وقد يكون النفق الذي تتشوّف ظهور بهارج النور في آخره مسدودا!.
لم يهبك الله إرادة وحرية وطلاقة في التفكير والفعل كي تستند إلى الغد المشرق الذي تتوهّمه، بل كي تسعى إلى تحقيقه بقلب مطمئن لجميع الاحتمالات وعقل مزوّد بوسائل الحفر في صخر الواقع.
وأنا مع ذلك من المؤمنين بمبدأ {سيجعل الله بعد عُسر يُسرا}، وأعتقد أن طلاقة العبارة القرآنية تحرّرها من السياق الذي نزلت فيه لتتحوّل إلى مبدأ متجاوز للزمان والمكان، ولكن الله الذي يعلم الغيب من حقه وحده أن يقرر هذه الحقيقة جزمًا، وحين يستخدمها بشر على سبيل الجزم في ملابسات شخصية محدّدة فهو يتألّى، إلا لو ساقها مقرونة بإضاءة الاتجاه وإسداء النصيحة وعلى سبيل التفاؤل وبث روح العزيمة للمضي في الطريق، لا من باب الجزم المستريح الذي لا يعبأ بالحلول الواقعية!.
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات