شيء ما جد غير عادي وقع في السعودية في نهاية الأسبوع الماضي. ثلاثة مؤتمرات قمة في مدينة مكة انعقدت وكأنه في شريط متحرك، الواحد إثر الآخر في ذروة شهر رمضان.
في البداية 57 دولة إسلامية، بعد ذلك 22 عضواً في الجامعة العربية وكعقبى 7 إمارات الخليج.
كان الدخول للمسلمين فقط، إذ لا دخول إلى مكة لمن ليس من دين النبي محمد. رغم ذلك، فإن مستشاري الرئيس ترامب، وكذا مسؤولون معينون هم في عمق الصورة، بجهاز التحكم عن بعد. الرجل القوي في القمم الثلاث هو محمد بن زايد، حاكم أبو ظبي الذي يقود إمارات الخليج، وهو يحمل كراهية شديدة لآيات الله الإيرانيين.
لو كان الأمر متعلقاً بملك السعودية سلمان، أو بولي العهد محمد، لعنيت المؤتمرات بموضوع واحد فقط ـ الخطر الإيراني. فقد حرص بالفعل في القمم الثلاث على البحث في الحرس الثوري، وفي الدور الإيراني في اليمن، ولكن موضوعاً آخر كان سائداً في المداولات، بل وأكثر من ذلك في المحادثات الجانبية السرية: الموضوع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
أبو مازن كان هناك، وعبد الله ملك الأردن الذي وصل إلى السعودية رغم أنفه أعطاه إسناداً ليقود كل المشاركين، بينهم الحكام، رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية إلى بيان لا لبس فيه: لن يكون هناك حل، سواء مع ترامب أو بدونه، بدون إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. غير أن هذا هو الأسهل قوله والأكثر لزوماً. أما السؤال الأكبر فهو إلى أي مدى يعتزمون الوقوف خلف أبو مازن وما هو حلهم الذي لم يتكبدوا في هذه الأثناء عناء طرحه على الإطلاق في شؤون غزة؟
بن زايد مثلاً يستمع إلى محمد دحلان أكثر مما لأبو مازن. هكذا يمكن التخمين. فدحلان يعيش في أبو ظبي، يجمع الكثير جداً من المال، ولكن حلمه في أن يكون حاكم «فلسطين الكبرى» لا يغيب عنه. وهو يحافظ على علاقات خفية عن العيان في الضفة الغربية، ويداه المليئتان بالتبرعات تصل إلى مخيمات اللاجئين في القطاع.
استهدفت هذه القمم الثلاث تسهيل الانتقال إلى المرحلة التالية، «الورشة الاقتصادية» في البحرين، التي هي بحد ذاتها مرحلة أخرى لكسب الوقت في الطريق إلى «صفقة القرن». خلف الكواليس جرى نشاط سري حثيث.
نقطة خلل واحدة غير متوقعة حصلت لرجال الخليج، ألا وهي الانتخابات المجددة في إسرائيل. ففي المملكة السعودية مقتنعون بأن نتنياهو سيكون رئيس الوزراء التالي. بن زايد ودحلان ليسا واثقين مئة في المئة. أما المشاركون في الخطة السياسية التي بدأت في السعودية وستنتقل إلى البحرين فينتظرون الآن أن يروا ما سيحصل في إسرائيل.
ولكن استنتاجاً واحداً بات واضحاً منذ الآن. فلم يعد هناك «عالم عربي» أو «أمة عربية». فالقصة عن الوحدة الزائفة، انتهت. وسلسلة المؤتمرات هذه تكشف بالأساس الاستقطاب والمشاكل. يتحدثون عن هدف مشترك، ولكنهم لا يعملون معاً كي يحققوه. كل دولة ومشاكلها.
وحتى السكان مختلفون ـ هناك دول غنية، وثمة وسطى، وأخرى فقيرة جداً. يكاد يكون لكل واحدة من الدول الـ 57 أو الـ 22 أو إمارات الخليج الـ 7، التي بعثت بمندوبين كبار إلى السعودية، تجربة إسرائيلية. بعضها تحافظ عليها حتى اليوم. قسم أصغر تراجع. ذات يوم سنعرف أكثر ولكنها تبدو اليوم علاقات السلام مع الأردن ومع مصر. إسرائيل تجتذب الكثير من النار ـ ولكنها مشوقة. مثلما في لعبة الأطفال، يريدون أن يقتربوا، فيهربوا، وبعد ذلك يعودون.
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات