إن من المعروف بداهة أنه قبل أي بناء كبير لا بد من إزالة الأنقاض والحجارة المتراكمة، بمعنى تخلية المكان من كل ما يعوق تأسيس البناء على أصل متين وهو ما يسميه المُرّبون التخلية، ثم بعد ذلك تبدأ مرحلة البناء والارتفاع بهذا البناء فوق الأرض، وهو ما يسميه المُرّبون بالتحلية، وإذا كان ما يجري في البناء المادي، فهو ما يجري كذلك في البناء المعنوي، وهو ما نسميه تزكية الأنفس، فلا بد أن تمر تزكية الأنفس في مرحلتين: التخلية والتحلية.
فلا بد من تربية الأنفس على التخلي عن الفجور والتحلي بالتقوى على مبدأ التخلية والتحلية وفي ذلك يقول تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾، وفي ذلك تهذيب الأنفس على التخلي عن المعصية والتحلي بالطاعة، أيضاً على مبدأ التخلية والتحلية.
فإذا ما تحققت الأنفس بهذا المبدأ وأصبح نهجاً دائماً لا يفارقها ما دامت الدنيا فهذا يعني أنها قد حصلت على سعادة الدنيا وفي ذلك يقو تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ ﴾، وهذا يعني أنها قد حصلت على سعادة الآخرة، وفي ذلك يقول تعالى: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ ﴾ وهذا يعني أن أصحاب هذه الأنفس التي مرّت بنجاح بمرحلة التخلية والتحلية باتوا جديرين بالالتحاق بمسيرة المشروع الإسلامي، وحمل أعباء هذا المشروع والحرص على دوام نصرته، وهذا يعني أنهم سيتحولون إلى حجة للمشروع الأسلامي وليس حجة على المشروع الأسلامي، وهذا يعني أنهم هم من سيحملون المشروع الأسلامي لا أن يحملهم المشروع الأسلامي، وهذا يعني أنهم سيصنعون من مسيرة المشروع الأسلامي لوحة أخلاقية رائعة، تجسّد الخلق الكريم والمعاملة الحسنة والكلمة الطيبة والمواقف الكريمة والانتماء الأصيل والولاء الصافي والخطاب الحق والسيرة المحمودة، وهذا يعني أنها ستتحقق في أبناء المشروع الأسلامي صفات عباد الرحمن التي تحدثت عنها سورة الفرقان في بعض آياتها ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً................ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسلاما ﴾ فإذا ما تدبر الأنسان هذه الأيات فأنه سيقف فيها حتماً على الآتي:
1-هذه الآيات تمثل شروط الانتساب إلى المشروع الأسلامي ومن افتقر إليها لا يحق له الالتحاق بالمشروع الأسلامي، لأنه إن إلتحق به وهو على حاله من عيوب النفس وسوء الأخلاق وقبح المعاملة ووهن السلوك لأشاع في مسيرة المشروع الأسلامي كل نقيصة وأحاله إلى مرتع للأنفس المريضة والهوى الجامع ووساوس الشيطان وألاعيب الدنيا، ولمسخ مظهره وجوهره وجعل منه ومن امكانياته مرتعاً للسباب والفسوق والعصيان والغيبة والنميمة والتنابز بالألقاب باسم المشروع الأسلامي، علماً أن المشروع الأسلامي بريء من كل ذلك، فهو أسمى وأنقى من أن يكون رهينة لأحد، أو في جيب أحد، وليكن هذا الأحد من يكون .
2-هذه الآيات تجسّد دوحة إيمانية وحدائق ذات بهجة تتعانق فيها الأرواح وتتحد القلوب وتتصافح الأيدي وتتوحد الكلمة والمواقف والخطوات ويتراصّ الصف كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا، وإلا دون هذه الدوحة الأيمانية التي تجسدها هذه الأيات فأن الحديث عن الوحدة والمصلحة العامة ونكران الذات والتغافر والأخوة يتحول إلى ضريبة كلامية، وبهرجة أقوال، وفتنة لسانية ومبارزة أقلام لا تسمن ولا تغني من جوع، وعندها تبقى الأنا وفقط الأنا ويغيب المشروع الأسلامي، ولعل آخر من يُسأل عنه في تلك الأجواء المريضة هو المشروع الأسلامي.
3-هذه الآيات تؤكد لنا أن المطلوب في مسيرة المشروع الأسلامي هو الحشد النوعي وليس الحشد العددي، حيث أن المشروع الأسلامي ليس مجرد حزب أرضي يقتات على أصوات الناخبين وينمو على تصفيق المصفقين، ويسمن على الضجيج وصخب الأصوات، وبراعة الشعارات وبريق الجهويات وهتاف الجماهير، وومض الأعلام وفتنة الفنادق، وصمت الأتباع، بل أدب نقد وتقييم هادف.
4-هذه الآيات تؤكد لنا أن من أخص خصائص أبناء المشروع الأسلامي هو التواضع وفي ذلك يقول الله تعالى : ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً﴾ وإلا فأي مشروع إسلامي أرجو له الفلاح إذا قام على الكِبر والزهو والخيلاء، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر" ، ولا بد من الجمع بين التواضع والحلم، فإذا كانت دلالة ﴿ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً ﴾ هي الدعوة إلى التواضع، فأن دلالة : ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً﴾ هي الدعوة إلى الحلم .
5-هذه الآيات تؤكد أن سمت المشروع الأسلامي المعافى من التقليد هو قيام الليل والتضرع إلى الله تعالى، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾، وإلا فأن سهر الليالي على التراشق في مواقع التواصل لن يخطو بالمشروع الأسلامي قدماً نحو الأمام .
6-هذه الآيات تؤكد أن أبناء المشروع الأسلامي أبعد ما يكونون عن ضلالة الشرك وعن دماء الناس وأعراضهم، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ﴾، وهذا يعني أن المشروع الأسلامي بريء من الداعشية والأرهاب والتطرف كما هو بريء من الشرك والكفور والعصيان .
7-يا أبناء المشروع الأسلامي هذه هي بطاقة الأنضمام إلى المشروع الأسلامي فهل نحن كذلك ؟!
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات