شهدت أم الفحم كغيرها من البلدان وبحكم السّياسة الرأسمالية في إسرائيل ونتيجة للعولمة وانعكاساتها الاقتصادية على البعد الفردي والتطور الإنساني تحركًا وتغييرًا في أنماط الاستهلاك.
فيما يلي جانباً، سأتطرّق من خلاله الى هذا التحوّل كمساهمة متواضعة في تحليل وتوجيه الصراع الطبقي في ظل الظروف المركبة التي نعيشها، نحن العُمال والموظفين. أم الفحم نموذجًا.
انتقلت أم الفحم من وضعيّة قرويّة، انتشرت فيها المصالح الصغيرة والدكاكين الحاراتية التي اعتمدت في الأساس على المجهود الفردي او الأسري لأصحابها وعلى دعم مجتمعي، الى وضعية باتت فيها المجمّعات التجارية الضخمة والمتاجر الفخمة تستحوذ على المشهد العالمي والمحلي، وتشكل مصدرا أساسيًّا لإنتاج الثروة الفردية او الأسرية الغنيّة.
في أم الفحم كان هذا الانتقال متزامنًا مع تسلّم الحركة الإسلامية لمقاليد السلطة المحلية في البلدة، والآن وبعد 30 عامًا من بزوغ ما سمي "بالمشروع الإسلامي" وتنظيرات المجتمع العصامي غير المقطوعة من السياق الرأسمالي الاسرائيلي يصبح سؤال الناس عن علاقة رأس المال بالسلطة المحلية ودورهم السياسي وعن سؤالهم عن استحواذ الأراضي والعقارات والمشاريع والتشغيل لمتنفذين في هذا المشروع، سؤال يحتاج الى إجابات، ليس للمناكفة، ولكن للتبصر وللتعلّم، دفاعًا عن حقوق الناس، وكذلك عن قيم طبقيّة وإنسانيّة غرزها الإسلام نفسه في عقولنا. وتفكيكًا لدعاوى الاستقرار المزعوم.
وعطفًا على ما أسلفنا انفًا، فان أرباح المصالح الصغيرة شكّلت قبل التحوّل مصدرًا اساسيًا للدخل الأسري والأدق كانت مصدرًا للإعالة الأسرية، ولأن قوة الشراء لدى صاحب المصلحة الصغيرة أضعف من قوة الشراء لدى مالك المال صاحب المجمّع، فان صاحب المصلحة يشتري بضاعته القليلة بثمن أكبر، وبالتالي يبيعها للناس بثمن اعلى من الثمن الذي يعرضه صاحب المال الذي اشترى بأرخص، ليصبح عزوف الناس عن التبضع والتبقل من حارتهم ومن صاحبنا، وتفضيلهم بان يشتروا من صاحب المجمع نتيجة حتمية.
أصحاب المصالح الصغيرة هم عمّال وموظفين مثلنا وهم في نفس صفنا صف العمال والموظفين والفلاحين ولو كابرنا وكابروا. كلنا نبيع جهدنا البدني والفكري لتحصيل حاجياتنا، نقف معًا في وجه رأس المال حتى وان تلحّف بعباءة الإصلاح والدين. أي دين.
هذا التحول دفع وسيدفع بالنهاية بالعديد من أصحاب المصالح الصغيرة الى اغلاق مصالحهم وفقدان هذه الإعالة، وسيجعلهم يبيعون جهدهم المضاعف لأصحاب المال مقابل قسط من الإعالة او حتى مقابل كل الإعالة.
وسيجد جزء لا بأس به من أصحاب هذه المصالح الصغيرة أنفسهم خارج سوق العمل وسيكونون مضطرين الى الاتكاء على مخصصات قليلة تمنعهم من التسوّل في أفضل الحالات! .
للوهلة الأولى يمكن أن نتوهم أن هذه النتيجة هي جيدة للناس للجميع، وهذا فعلا ما يروج له أصحاب رأس المال وخبراؤهم الاقتصاديون دعاة الاستقرار الاسري، ولكن لفهم هذه المسألة علينا ان لا نقفز عن حقيقة انه يمكن لنا كأفراد أن نوفر بعضًا من الشواقل في المدى القصير، والحقيقة انه توفير خاسر وفاشل سيدفعنا أن نُلقي به في النهاية الى جيب نفس صاحب المال! على المدى البعيد (ليس بالبعيد جدا) نحن سنخسر، وهو سيربح. كيف ذلك؟
لقد لخص الامام علي (كرّم الله وجهه) هذه المسألة بقوله "فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ". فحين يدعم العمال بعضهم ويشترون من بعضهم فانهم سينتقصون جزءًا من ربح صاحب المال ويقللون ثروته، وبهذا يصبح صعبًا عليه أن يستحوذ ويشتري مقدرات البلد من اراض وعقارات، وسيكون الناس ومن ضمنهم اصحاب المصالح الصغيرة كالدكاكين والمتاجر الحاراتية أقدر على تحصيل حقوقهم من هذه المقدرات. كما ان النتيجة النهائية لهذا التحول وان لم نحاربه ستنتج وضعًا يستحوذ ويسيطر فيه رأس المال وصاحب المجمعات والأراضي والبيوت على كل قوتنا الاقتصادية الشرائية ويحتكر جميع احتياجاتنا الشرائية.
علينا أن نتذكر دائمًا الحقيقة العلمية التي تقول أن مقدرات المجتمعات من اراضٍ، بيوت، متاجر، مجمعات، عقود المقاولات والتشغيل، الخ... مملوكة بيد قلة صغيرة من اصحاب المال. هذه ليست فرضية، هذه حقيقة علمية عالمية صحيحة في العالم وصحيحة في ام الفحم ايضًا.
هذا التقسيم ليس عادلا. ولتحقيق العدل يستوجب التأميم، والتأميم مشروط بوجود احدى سلطتين، الأولى رأسمالية محتله جشعة لن تصنعه ولا تملكه، والثانية هي سلطة العمال، الناس الفقراء، ولاستعادتها هذا الامر مرهون بتنظّم الناس بحزب او احزاب، بتنظيمات، بحراك لإنتاج ثورة تعيد ما سُلب وتنشر العدل.
وحتى لا يكون هذا وهمًا، علينا أن نتذكر ايضًا حقيقة اخرى مؤلمة تقول، اننا بعيدون جدا عن تحقيق هذا العدل، نظرا لظروفنا الخاصة ووضعنا المركب في هذه البلاد، ونظرا لأننا ضحايا العولمة والاستعمار ممنوع علينا أن نمنح أنفسنا إجازة من تحقيق ولو قسط قليل من العدل.
علينا أن نعترف ونتكاشف امام أنفسنا بداية، باننا ولكي نرتاح من عبء هذه المعضلة، نقوم بخداع أنفسنا وبالانبهار بالنظام الرأسمالي حين "يمنحنا" امتيازات وسمات برجوازية تجعلنا نظن في عيون أنفسنا وعيون الاخرين منا اننا قد أصبحنا مالكين او متحكمين بوسائل الإنتاج (السيارات المملوكة للبنوك، القروض الكبيرة لبناء بيوت كبيرة، وغيرها من مظاهر الخداع الذاتي).
هذه الخدائع تنتج وضعًا ينتفع منه أصحاب المال من زيادة المدخولات والربح خاصة في المواسم الشرائية (رمضان، الأعياد، المدارس) مستغلين شغفنا في الاستهلاك وضلالة احلامنا الفردية بان النجاح والسعادة يتحققان بالشراء والاستهلاك والمظاهر المزيفة!.
برأيي، علينا نحن العُمال يشمل الموظفين وأصحاب الاعمال الحرة بمن فيهم أصحاب المصالح الصغيرة، ونحن الاغلبية الساحقة من اهل البلد، أن نقوم على الاقل بالاستمرار في:
* بناء مؤسسات التنظيم العُمالي المحلي والقطري.
* المطالبة بدعم المصالح الصغيرة من قبل السلطة المركزية والمحلية، التي تملك أن تدعمهم بإتاحة وتطوير الاحياء الداخلية بدلا من الموارد والطاقات التي تستثمر في الشارع الرئيسي ومجمعات رأس المال. علاوة على تخفيض ضريبة "الارنونا".
*أن ندعم نحن العمال انفسنا نتكاتف ونُرجح الشراء والاستهلاك من الدكاكين الحاراتية لدعم انفسنا اولا ولتحقيق قسط ولو صغير من العدل المفقود.
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات