خرجت جدة الطفلة لين المغربي معها في رحلة علاج من مستشفى غزة الأوروبي إلى مستشفى "تل هشومير" الإسرائيلي رافق كليهما فيها مأساة ابتعاد الرضيعة عن أمها وعدم قدرة الجدة على تحمل هذه الرحلة التي ظنت أنها "يوم أو يومين".
منذ حوالي شهر تمكث صباح المغربي (59 عاما) مع حفيدتها في المستشفى الإسرائيلي، تعيش فيه "غريبة أو تائهة" لا تستطيع التعامل مع من فيها بحكم الغرابة واللغة، إلا إذا شاء الله لها أن تلتق بفلسطيني من الضفة أو غزة يخفف عنها ولو بعض حين.
"رِواق" تحدث إلى المغربي ضمن عدد من مرضى غزة الذين يتلقون علاجهم في المشافي الإسرائيلية عبر تحويلات طبية، سلّط الضوء على أوضاعهم وكيف هي داخل المشفى.
تقول المغربي: "لين رضيعة ولدت تعاني من ضيق في الشريان الرئيسي المغذي للأوردة فتم استخراج تحويلة عاجلة لها إلى تل هشومير، ولكن الجانب الإسرائيلي رفض مرافقة والدتها معها إلى المشفى بحجة أن عمرها صغير رغم أنه لا يمكن أن تفارق الأم طفلتها وهي قطعة لحم".
تضيف "طبعًا من يُرفض لا يمكن أن يتم قبوله، لهذا تقدمنا بمرافق بديل وهو أنا، وتم قبولي، خرجت ووضعي المادي تحت الصفر، وصلت المستشفى ظنًا مني أنني سأعود بعد يوم أو يومين، إلا أن الأطباء أقرّوا لها إجراء عملية جراحية".
غياب المرافق "المفترَض"
"لين" أجرت عملية قص للشريان وتوسيعه ومن ثم وصله مجددًا، وهي بحاجة إلى والدتها لكي تكون معها في المشفى لكن الرفض الإسرائيلي كان حليفها في محاولاتها.
تقول جدتها: "الأسرّة في المستشفى عالية وأنا ست كبيرة في العمر دائمًا أقف كلما احتجت أن أفعل شيء للطفلة سواء إطعامها الرضعة أو لتهدئتها وهذا يسبب لي آلام مضاعفة في ظهري".
تضاعف معاناة الجدة دفعها لأن تسأل عن علاج لآلام ظهرها التي تضاعفت خلال الشهر الذي مكثته –ولا تزال- في المستشفى، وهو ما أبلغتها الإدارة بأنه مكلف ويحتاج إلى مبالغ مالية.
رفض "المرافق" خاصة إذا كان الأم أو الأب رغم الحاجة الماسّة للمريض هو أحد أوجه المعاناة التي لا تفتأ تغادر مرضى غزة الذين يتم تحويلهم للعلاج في المشافي الإسرائيلية.
"الطعام هنا سيء للغاية ونحن لا نملك ثمن شراء الطعام من خارج المستشفى فكل شيء غالي بشكل غير معقول" تقول الجدة
لكن من حسن حظ أي مريض من غزة أو مرافق له أن يلتقي صدفة بمريض من الضفة الغربية يتعالج في ذات المستشفى الإسرائيلي، هنا قد يتراجع شعور الغزي بالغربة وقد يقضي بعض حاجاته التي ليس بوسع المستشفى تلبيتها.
وكما تقول الجدة المغربي "الحمد لله في الأسبوع الأخير تعرفنا على أهل مريض يتعالج في المشفى وهم من نابلس وكانوا يأتون بالطعام من بيوتهم ونأكل معهم".
الغلاء وعجز تلبية الاحتياجات
الفتى محمد بركة (12 عاما) يمكث في مستشفى "هداسا" لإجراء عملية قلب مفتوح من المفترض أن يتم إجراءها له خلال الأسبوع الجاري، رغم ارتياحه لطبيعة المعاملة التي يتلقاها داخل المستشفى إلا أنه يرفض تناول طعامها داخله، وهو ما شكّل مسئولية على عاتق والدته نعمة (30 عاما).
تقول لـ"رِواق": "ابني لا يمكنه أن يأتي على نفسه ويتقبل طعام المستشفى، وأنا لا أستطيع أن أتدبر أموري في تلبية الطعام أو العلاج الغير متوفر له في المستشفى من خارجها، لغلاء سعرها من ناحية، ولأنني لا أعرف أحدًا كي أتكئ عليه في مصاريفي ومصاريف ابني".
تضيف "منذ 11 سنة وابني يتعذب بين مستشفى المقاصد والمشافي الإسرائيلية، ومستشفى تل هشومير أفضلهم من حيث المعاملة والنظافة".
ضرورة أن يبقى الفتى محمد بملابس المستشفى، أنقذه من معاناة توفير ملابس له خاصة وأن رحلاته للعلاج تطول بحكم طبيعة مرضه، لكن والدته هي من تعاني من عدم قدرتها على توفير ملابس لها.
بعض من أسمتهم والدة بركة "أهل الخير" يأتون لتلبية بعض احتياجات أهالي غزة داخل المستشفى سواء من جمعية أو أفراد، لكن الزيارات هذه تكون بين فترات متباعدة والدعم يكون على قدر بعض الهدايا بالإضافة لمبلغ زهيد جدًا.
معاناة بسبب "خطأ أثناء عملية"
الطفل نعيم أبو ظاهر (4 أعوام) حظي بتحويلة على مستشفى "تل هشومير" الإسرائيلي بعد مناشدات إعلامية لذويه من أجل انقاذ حياته، لكن معاناته داخل المستشفى تمثلت في خطأ طبي أثناء إجراء عملية له.
تقول والدته عواطف لـ"رِواق": "ما صدقنا أن تسمح له وزارة الصحة بالتغطية المالية لخروجه للعلاج، لكن نصيبنا أن يعاني تحت أيدي الأطباء".
وحسب روايتها "أجريت له عدة عمليات لكن في العملية الثانية حدثت معه مضاعفات أثناءها، كانوا ضاربين الحجاب الحاجب –عضلة تفصل بين الرئتين والتجويف البطني- وتسبب بأذى في الرئة اليمنى".
أصبح الطفل نعيم مشتتًا بين غزة ومشافي إسرائيل منذ الخلل الطبي الذي حدث له أثناء إجراء العملية، وهو ما ضاعف معاناته ومعاناة والدته التي ترافقه في رحلة علاجه.
لكنها تقول: "المعاملة بشكل عام أفضل من غيرها من المشافي، لكن معاناة ابني كثرت من يوم العملية، وإضافة لهذا هناك أنواع من الأدوية تفوق الـ290 شيكل لا توفرها المستشفى، وأنا ليس لدي القدرة أن أوفرها له".
هذا العجز يجعل الطفل أبو ظاهر بين حين واخر بين الحياة والموت، لولا تدخل بعض معارف ذويه.
مساهمة للتخفيف عنهم
"رِواق" توجه إلى أبرز الجهات التي تعمل على دعم وتفقد مرضى قطاع غزة في المستشفيات الإسرائيلية وهي جمعية "سلامتكم" التي تحاول بقدر إمكانياتها توفير أوجه من الدعم لهم، عبر زيارات ميدانية من طواقمها للمستشفيات.
تقول مديرة الجمعية ريما أبو قطيش: "نحن نرافق المرضى من الحاجز الإسرائيلي الذي يصلون إليه من غزة وحتى المستشفى الإسرائيلي، وجل عملنا في مستشفى هداسا".
تشير إلى أن جمعيتها تقدم ما نسبته 10% من حاجة المريض من الأدوية والمستهلكات الطبية التي يحتاجها ولا توفرها المستشفى، وكما تقول: "عملنا موجه بالدرجة الأولى لمن يقصدنا أي لمن يطرق بابنا ويطلب منا المساعدة".
عن مرضى غزة تروي: "معاناتهم الكبيرة في التحويلة أو تجديد التحويلة، فعدد منهم تنتهي التغطية المالية لتحويلته وهو يكون بحاجة إلى المكوث في المستشفى والمزيد من الفترة العلاجية، لكن ضيق الحال يدفعهم للعودة إلى غزة وإعادة تقديم طلب تحويلة مجددًا، وهذا الوقت كفيل بإنهاء حياة المريض أو تضاعف مرضه".
أبو قطيش نوهت إلى أن عمل طواقم الجمعية لا يقتصر فقط على مرضى غزة وإنما مرضى الضفة الغربية أيضًا.
ولفتت إلى أن المستشفى يوفر العلاج للمريض، لكن بشأن الأدوات والأدوية فإن نسبة كبيرة منها يُطلب من المريض جلبها من الخارج، وهنا يأتي دور الجمعية وذلك حسب قدراتها.
كما تساهم الجمعية في دعم المرضى بالوجبات الغذائية في بعض من أنشطتها، بالإضافة لتقديم هدايا وفقرات ترفيهية لهم.
أيضًا أشارت مديرة "سلامتكم" إلى أن طواقمها ترافق المرضى وتقدم لهم خدمة الترجمة خاصة وأن معظم أو كل مرضى غزة ومرافقيهم لا يتقنون اللغة العبرية، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة الذين يمكثون فترات طويلة في المشافي.
لكنها ذهبت إلى القول بأن عمل الجمعية لا يمكنه تغطية احتياجات أو حل معاناة المرضى خاصة من غزة الذين تبدأ معاناتهم من اليوم الأول لتقديم طلب تحويلة للعلاج خارجها.
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات