المطلوب أن نحسن الثناء على المحسن كما نحسن إنتقاد المخطئ، وإلا فالويل لنا يا أبناء المشروع الإسلامي إن أخذنا بنصف هذه القاعدة عن سبق إصرار، بمعنى أن نحسن انتقاد المخطئ إذا أخطأ وتعمدنا ألا نحسن الثناء عليه إذا أحسن ، فهذ ليس من العدل ولا من المروءة ولا الفتوة ولا الرجولة، ولذلك يوم أن دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تغيير المنكر وقال لنا : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فأن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" يوم أن دعانا إلى ذلك فقد دعانا إلى شكر المحسن إذا أحسن وقال لنا : " من لا يشكر الناس لا يشكر الله "، والمطلوب منا أن نحسن الحفاظ على هذا التكامل بين شكر المحسن إذا أحسن وإنتقاده إذا أخطأ، والويل لنا إن جعلنا الحياة كأنها كلها أخطاء ولا يصدر عن الناس إلا أخطاء وحصرنا أنفسنا بناء على هذا التصور المشوه بدور المنتقد الذي لا يحسن إلا أن يقول بلسانه أو قلمه أخطأ فلان، وتعثر فلان، وإنحرف فلان، وأساء فلان، وشطح فلان، وهذا يعني كأن الحياة أصبحت شراً في شر لا خير فيها، وكأن الناس أصبحوا شراً في شر لا خير فيهم ، وهذا ما يخالف القرآن والسنة، فالقرآن يوم أن تحدث لنا عن أصناف الناس لم يقف في حديثه عند صنف الكافرين فقط، وكأن الحياة كلها كفر، وكأن الناس كلهم كافرون، ولم يقف في حديثه عند صنف المنافقين فقط، وكأن الحياة كلها نفاق، وكأن الناس كلهم منافقون، بل تحدث لنا القرآن عن صنف المؤمنين إلى جانب حديثه عن صنف الكافرين والمنافقين.
ولذلك المطلوب منا أن نتبنى هذه النظرة القرآنية الشمولية المتفائلة فأن يكن هناك كفر ونفاق فهناك إيمان، وإن يكن هناك شر فهناك خير، وإن يكن هناك منكر فهناك معروف، وإن يكن هناك فساد فهناك صلاح، ولو كانت الحياة كلها كفر ونفاق وكلها شر وكلها منكر وكلها فساد مستديم لا يتغير ولا يرجى أن يتغير لقامت الساعة، لأن الساعة يوم أن تقوم، لا يكون هناك في الأرض من يقول: الله، ولكن الساعة لم تقم حتى الآن، ولا تزال الدنيا جارية في فلكها، وهذا يعني أنه لا يزال هناك إيمان وخير ومعروف وصلاح، وهذا يعني أننا مطالبون نحن أبناء المشروع الإسلامي أن نتأدب بهذا الأدب القرآني، وأن نطهر صدورنا من الشعور المتشائم، وأن نطهر عيوننا من النظرة السوداء دائماً، وأن نطهر ألسنتنا وأقلامنا من التمسك بالنقد فقط، وكأنه لا يوجد إلا أخطاء وعثرات وذنوب في مسيرة حياتنا!!.
لذلك العجب كل العجب أننا أحلنا صفحات التواصل ومجموعات الواتس أب إلى منبر نقد فقط وإلى منبر تخطيء وتحذير، وقد يتحول في بعض الأحيان إلى منبر تجريح وسباب وفسوق وعصيان!! والعجب كل العجب أن البعض بات يفكر أنه إذا أراد الترويج لصفحته في عالم التواصل وإذا أراد الحصول على أكبر قدر من إعجاب الآخرين ومشاركاتهم فما عليه إلا أن يسل قلم نقده على فلان، وعندها سيضمن – كما يظن مخطئاً- لصفحته أن تتسلق قمة الشهرة والنجومية الأعلامية!! والعجب كل العجب أنني بت ألاحظ أن التغريدة التي تقوم على النقد أو على التجريح في بعض الأحيان، تنتشر بين الناس كأنها البرق الخاطف وكأن هذا هو المطلوب عند من كتبها، وكأن هذا ما يشبع غروره الأعلامي!! والعجب كل العجب أن بعض من أصبح مدمناً على كتابة التغريدات يومياً، كأنه بات يتمنى في داخله أن يخطئ زيد وأن يتعثر عمرو حتى يكون له سبق صحفي بإطلاق صاروخ تغريداته العابر للقارات عليهم!! ولذلك بت أتمنى أن أقرأ تغريدة في صفحات التواصل تبدأ بكلمة: نشكر فلان أو نشد على يد فلان، أو أحسن فلان أو تعرفوا على حسن صنيع فلان.. إلخ ، لماذا؟!.
هل وُجدت اللغة العربية كي تكون تعبيراً عن النقد وإنكار المنكر والتخطيء فقط؟! هل وُجدت صفحات التواصل لهذه المهمة فقط؟! هل خلق الله تعالى الألسن لهذه المهمة فقط ؟! هل صنعت الأقلام على إختلاف ألوانها لهذه المهمة فقط ؟! لذلك كم أتمنى أن تتقدم فينا طليعة حرة صافية صادقة شجاعة، نتحرر من قوقعة الأنا وقوقعة العصبية الحزبية والحركية، ومن قوقعة المناصرة العمياء لفلان لأنه فلان، ومن قوقعة معرفة الحق بالرجال الذين تسير خلفهم بانقياد مطلق لأنهم زيد وعمرو وفلان وفلان!!.
كم أتمنى أن تتقدم هذه الطليعة فينا بعد أن تتحرر من كل هذه القوقعات وألا تتردد أن تقول بألسنتها أو بأقلامها: أحسن فلان، وأصاب فلان وكل الاحترام والتقدير لفلان، وكل الشكر لفلان، سواء أكان فلان هذا من أم الفحم أو كفرقاسم أو كفركنا أو رهط أو من أية بقعة في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية !!.
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات