| 23 تشرين ثاني 2024 | 21 جمادي الأول 1446 هـجرية
  
  
  
الفجر
الشروق
الظهر
العصر
المغرب
العشاء
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0

في القدس لا يأتي السمسار على هيئة “شلومو”

  2019/03/28   11:30
   ربى عنبتاوي
شارك الخبر مع أصدقائك
طباعة
أضف تعقيب

شهريّاً، يطرق بابَ فندق “جبل الزيتون” شرق البلدة القديمة للقدس، سماسرةُ عقارات، يُعبّرون عن رغبتهم الاستثمار في الفندق؛ عبر شرائه، أو استئجاره مثلاً. سفيان أبو غنّام، مدير الفندق، يقول: “لا يأتي السمسار على هيئة شلومو”؛ أيّ لا يكون إسرائيلياً، وإنما “يأتي كسائحٍ أو كزائرٍ أجنبيٍّ للفندق، يعرض نفسَه كمُستثمر ومستعد لدفع مبالغ خياليّة”.

يؤمن أبو غنّام أنّ وراء كلّ هؤلاء السماسرة المترددين على الفندق جمعيات استيطانيّة إسرائيليّة، تسعى لتوسيع نطاق استيطانها حول البلدة القديمة، في محاولة لتحقيق أغلبية يهوديّة في المنطقة كما تعلن في أهدافها. على بعد أمتار قليلة إلى الجنوب من الفندق مثلاً، تقع البؤرة الاستيطانية المعروفة إسرائيلياً باسم “بيت هحوشن”، أو بؤرة أبو الهوى، وهي عبارة عن شقق سكنيّة بيعت عن طريق سمسار عام 2006 لصالح جمعية “عطيرت كوهنيم” الاستيطانية.

أمام أسئلة هؤلاء “المستثمرين”، يملك أبو غنّام جواباً واحداً وجاهزاً مسبقاً؛ الرفض التامّ والتأكيد على أن لا شيء للبيع عنده. لكنّه يُشير إلى جَلَدِهم وإصرارهم وتنوّع الأساليب عندهم، “أحياناً يرسلون سماسرة محليّين من البلد”. وعندما يكون السمسار فلسطينيّاً، لا يكتفي أبو غنّام بالتأكيد على الرفض التام، بل يباشر بالسؤال عن الشخص الذي أتاه، وإبلاغ الجهات المعنيّة في القدس، كدائرة الأوقاف الإسلاميّة مثلاً، لإشاعة الحيطة والحذر.

قصة فندق “جبل الزيتون” واحدة من عشرات القصص التي تتكرر في القدس. مطعم “خان أبو خديجة” الذي يقع في طريق باب السلسلة، على بعد أمتار من المسجد الأقصى، والقريب أيضاً من ساحة البراق، هو الآخر محط أنظار سماسرة الاحتلال. يعلن صاحب المطعم عماد أبو خديجة، بمناسبةٍ أو بدونها، أنّ “المكان لا يخضع للمساومة”، إلا أنّ السماسرة لا يكلّون ولا يملّون حسب وصفه. هو الآخر، يحاول إخبار من حوله وإشاعة الحذر، سعياً للحفاظ على عقارات الفلسطينيين في القدس.

هذه المواقف الثابتة، عند أبو غنام وأبو خديجة وغيرهما، والتي هي الغالبة في وعي المقدسيين، تُعكّر صفوها، في بعض الأحيان، سيرةُ بعض البائعين أو غير المكترثين وغير المحتاطين. في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أَثَارَت صفقةُ بيع عقارٍ مؤلف من ثلاثة طوابق في عقبة درويش في البلدة القديمة لصالح جمعية استيطانيّة، سخطاً فلسطينيّاً واسعاً، كان عنوانه الأبرز التساؤل عن الضعف الرسميّ الفلسطينيّ في القدس، وعدم المبادرة إلى محاسبة المتورطين المعروفين في صفقات البيع والتسريب.

في عالم العقارات الخاصّ بالمدينة المحتلة، تضعف بعض النفوس أمام بريق الدولار، إذ تعرض الجمعيات الاستيطانية من خلال سماسرتها، فلسطينيين كانوا أو إسرائيليين، مبالغَ ماليّة كبيرة تتعدى في أحيانٍ كثيرة سعر السوق. أمام تلك العروض، تنتاب الريبة والشك البعض من أصحاب العقارات، وهم الغالبية، فيبادر للرفض والانسحاب من عرض البيع. البعض الآخر، يشكّ لكنّه لا يكترث، بل يكمل الصفقة ويبيع. قسم ثالث يشكّ ويسأل جهاتٍ رسميّةٍ، كمحافظة القدس التابعة للسلطة الفلسطينيّة، فتُعطيه الضّوءَ الأخضر عبر تزكية السمسار، ربما دون أن تُكلّف نفسها عناء البحث والتحريّ.

هذا تماماً ما جرى مع عقار “عقبة درويش”، كما أشارت مكالمةٌ هاتفيّةٌ سُجّلت خلال عام 2018، بين فلسطينيّ من القدس، وبين محافظ القدس السّابق عدنان الحسيني، نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعيّ. خلال المكالمة، يُطمئن الحسيني الشخص الذي هاتفه ليسأل عن مصير العقار قبل انتشار خبر بيعه، أنّ الجهات الرسميّة قد سألت وفحصت أخبار (خ.ع.)،  وأنّه لا داعي للقلق. تبيّن بعدها، أن (خ.ع.) الذي زكّته الجهات الرسمية الفلسطينية، هو الطرف الرئيس المتسبب في تسريب العقار إلى الإسرائيليين.

حتى اللحظة، في البلدة القديمة للقدس ما يقارب 74 بؤرة استيطانية في البلدة القديمة تتبع جمعية “عطيرت كوهنيم” الإسرائيلية (تأسست عام 1978)، وفي سلوان جنوب البلدة القديمة ما يقارب 70 بؤرة استيطانية، موّزعة بين “عطيرت كوهنيم”، وبين “إلعاد” (تأسست عام 1986).

جمعيات استيطانيّة وأذرع ممتدة
تعمل “عطيرت كوهنيم” و”إلعاد”، وهما مؤسستان غير حكوميّة، بلا توقف حرفيّاً؛ تتمدد في كلّ زقاق، وتجمع أدقّ المعلومات، ولا تتوانى عن التزوير والتحايل، ما تخلق لها نفوذاً في مكاتب ووزارات حكوميّة إسرائيليّة، لضمان تسهيل عملها وتخطي أي عواقب بيروقراطيّة.

في تعبيرِ آخر، يقول البعض إنّ مثل هذه الجمعيات ما هي إلا امتداد تكامليّ لسياسات الاستيطان الإسرائيلية الحكوميّة، وأنّها الذراع التنفيذيّ “غير الرسميّ” لحكومة الاحتلال. عن ذلك يقول صيام إن عمل “إلعاد” و”عطيرت كوهنيم” يتناغم مع عمل الهيئات الرسميّة الإسرائيلية، كالبلدية وسلطة الآثار الإسرائيلية، وسلطة حماية الطبيعة وغيرها، وأنهما تشاركان في رسم السياسات العامّة، ولهما سطوة في فرض المخططات الاستيطانية والدفع بها.

حسب المحامي مهند جبارة، المتخصص في مجال العقارات، فإنّ لهاتين الجمعيتين طواقم عمل موّسعة ذات تخصصات مختلفة، وفي داخلها لجان تتولى مختلف المسؤوليات؛ التمويل، جمع المعلومات، ورفع الدعاوى في المحاكم، وتقديم مخططات البناء الهندسيّة، وغير ذلك.

وللجمعيات الاستيطانية امتدادات دوليّة، فهي تجمع التمويل لتحقيق “الغالبية اليهودية” في القدس من يهود أميركا وصهاينة الغرب، ويُشتهر في ذلك السياق المليونير الأميركي المشهور بلقب “عرّاب الاستيطان”، إيرفينغ موسكوفيتش، Irving Moskowitz. كما لتلك الجمعيات مندوبون خارج فلسطين تُسجّل شركات تابعة لها في دول الملاذات الضريبية سعياً لإخفاء الهويّة الحقيقية لمن يقف وراءها، وعادة ما تُستخدم أسماء تلك الشّركات الوهميّة للتحايل على أصحاب العقارات.

يقول جبارة: “أراهم في المحاكم، يحضرون بشكل دائم، لا يغيبون عن أي جلسة في محكمة إسرائيلية تخصّ عقاراً يسعون للسيطرة عليه، يسعون لنسج علاقات مع المقدسيين لتحقيق مرادهم، يتميّزون بقدراتهم على تقفي الأثر وجمع المعلومات”.

يضرب حبارة مثالاً رائجاً على ذلك: “إذا سمعت الجمعيات الاستيطانيّة عن خلافٍ بين إخوة من عائلة فلسطينيّة ما على عقار لهم، فإنّها تُسارِع للحديث مع أحد الأطراف المتخاصمة، وخاصّة تلك التي تشعر بالمظلمة في الخلاف، سواء بشكل مباشر أو عبر سمسار، وتحاول إقناعهم بالبيع لزعزعة الملكية الفلسطينيّة للعقار، وإدخال شريك يهودي مع الأخوة الآخرين”. هنا تتحول معلومة عاديّة مثل “خلاف بين إخوة” إلى معلومة ثمينة في يد المستوطنين، يوّظفونها لتحقيق اختراق جديد.

زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة، يؤكد على ذلك، ويقول أن الجمعيات الاستيطانية، تعمل على التغلغل بين أبناء المجتمع الفلسطيني في القدس، لجمع المعلومات التي تفيدها لاحقاً في عملية إسقاط أصحاب العقارات، أو إحداث ثغرات ما لتسهيل حصولها على عقار ما. ولأجل الحصول على عقار ما، تستعين تلك الجمعيات بسماسرة فلسطينيين في كثير من الحالات.

وبالتوازي مع ازدياد وعي المقدسيين بحالات الاحتيال والتزوير، تطوّر الجمعيات الاستيطانية طرقاً وتستحدث أدواتٍ جديدةٍ للتحايل والإسقاط، وتحرص على تشكيل سلسلة ممتدة من السماسرة توّزع بينهم المهام. في حين كان الجنس مثلاً، يُستخدم في بعض الحالات لإسقاط السمسار أو صاحب العقار، نرى اليوم استخداماً لعباءة الدين أو التمويل العربيّ المُدّعى أو حتى التاريخ الحزبيّ القديم. حصل ذلك في العام 2014 مع أحد السماسرة (ش.ق)، الذي اشترى عقاراتٍ من أصحابها في سلوان، بزعم أنّه ينوي تحويلها إلى مساكن للسيّاح المسلمين الذين يزورون القدس، مُدعيّاً أن وراءه ممول عربيّ، ليتبين بعدها بأشهر أن وراءه “عطيرت كوهنيم”.

في حال التمكّن من السيطرة على عقار ما، فإنّ ذلك يبقى ضمن نطاق السّرية ضمن تسلسل زمنيّ مدروس، حسب تعبير صيام. “يجري شراء الأرض أو العقار ويُترك فترة ما بدون أي تغيير حتى لا يتم كشف الصفقة قبل الأوان، أو إلى حين توفر الظروف الملائمة للإعلان عنها”، يقول صيام، ولذلك نرى أن بعض العقارات التي كُشِف بيعها للمستوطنين في التسعينيات، إنما وقع عقد البيع في السبعينيات والثمانينيات.

الشك أقل الواجب
في مقابل “امبراطوريات الاستيطان” في القدس، يرى الفلسطينيون أن الشّك هو عتبة حماية عقاراتهم في القدس؛ الشكّ هو ردّة الفعل الأولى التي يجب أن يحملها أيّ فلسطيني تجاه أي شخص، أياً كان، يسأل عن عقار يشتريه. عن ذلك يقول أبو غنّام: “في قضية بيع أي عقار في القدس، يجب أن يكون الشك سيد الموقف”.

يوافقه في ذلك جواد صيام، مدير مركز معلومات وادي حلوة في سلوان جنوب القدس، والذي يتساءل: “هل من المعقول أن يُغرِي منزلٌ مُتهالك وقديم في سلوان وسط بنية تحتية رديئة، فلسطينياً أو عربياً لشرائه بمبلغ مرتفع؟”. الشك إذن سلاح المرحلة الأولى، يقول صيام: “أليس المنطق أن من يملك تلك المبالغ المرتفعة سيبحث عن بيت في منطقة بمواصفات أفضل؟”.

يسرد صيام قصة حدثت معـه شخصياً، بخصوص عقارٍ كان يستأجره لصالح المركز الذي يُديره. طلب صاحب العقار الفلسطينيّ من صيام إخلاء العقار لأنه يرغب ببيعه، وعرض عليه مبلغاً من المال، مرتفعاً نسبياً، مقابل الإخلاء قبل انتهاء مدة عقد الإيجار. أثار ذلك الشكّ في نفس صيام، ليتبين بعدها أن هناك سمسار خفيّ يقف وراء تلك الصفقة، وعندما اتضحّ الأمر لصاحب العقار تراجع عن رغبته في البيع، وفي المقابل اشترت لجنة الدفاع عن الأراضي في سلوان العقار بهدف حمايته.

إلا أن صيام وغيره يعون في ذات الوقت، أنّ السماسرة اليوم أصبحوا أكثر احترافاً، ويعرفون أنّهم -أي السماسرة- قد يتجنبون عرض المبالغ المرتفعة، ويعرضون “مبالغ معقولة”، حتى لا يُثيروا الريبة. مع ذلك، يرى صيام أن الشك يجب أن يبقى سيد الموقف في كلّ الحالات، وأن الجهل في الماضي لا يُمكن أن يكون مبرراً اليوم، لأن سعي الجمعيات الاستيطانية لشراء العقارات الفلسطينيّة، وخاصّةً في محيط البلدة القديمة وداخلها، أصبح أمراً مكشوفاً ومعروفاً لدى الجميع.

سماسرة وأدلة بلا محاسبة
إن كان الشك فعلاً أوليّاً، فإنّ قضية بحجم تسريب العقارات تحتاج جهوداً جماعيّة جديّة لمواجهتها. فادي مطور، أحد نشطاء مدينة القدس، وصاحب الصرخة المعروفة “أدخلتم شلومو إلى بيوتنا”، التي قالها في مواجهة مع المتهم الرئيس بتسريب عقار عقبة درويش العام الماضي، يرى أن الخطوة الأولى قد تكون “إعداد قائمة عار بأسماء العملاء والسماسرة المعروفين في القدس ونبذهم اجتماعياً، ما سيشكل عنصر ردع لغيرهم”.

يُضاف إلى ذلك الفتوى التي أكدّ عليها علماء الدين مؤخراً، والتي تُعتبر امتداداً لفتوى شبيهة أصدرت مطلع العام 1935، تقضي بعدم دفن السماسرة وبائعي الأراضي في مقابر المسلمين، ولا الصلاة عليهم، ولا التودد إليهم، بل احتقارهم ومقاطعتهم. بدت إحدى مظاهر هذا النبذ مؤخراً عندما رفض أهالي القدس أداء صلاة الجنازة في المسجد الأقصى على (ع.ق.) مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، لتسهيله تصرف المستوطنين بأحد عقارات البلدة القديمة. 

وفي محاولة لإسناد النبذ الاجتماعي للسماسرة ومسربي العقارات للمستوطنين، أصدرت بعض عائلات القدس أواخر العام الماضي، بيانات عامة توّضح فيها أن المرجع المعتمد في بيع أو شراء أيٍّ من عقاراتها هي العائلة نفسها -مجتمعةً-، مؤكدةً أنها لا تعترف بأي عقد بيع دون أن يمرّ عبر لجنة منبثقة عن العائلة، أو عبر عميدها.

إلا أن هذا التكاتف المجتمعيّ الشعبيّ في مواجهة تسريب العقارات، ينخره ضعف الأداء الرسميّ الفلسطيني. في هذا السّياق، يستغرب الحموري غيابَ أيّ حكمٍ أو مساءلة بحقّ (خ، ع) المتورط بصفقة عقبة درويش من قبل الجهات الرسميّة الفلسطينيّة، بالرغم من توّفر كل الأوراق والوثائق التي تدينه.

يرى مطور أنّ عدم التوصل لنتائج أياً كانت من قبل لجنة التحقيق، التي شُكّلت عقب التسريب في ولاية رئيس الوزراء رامي الحمدلله في موضوع سمسار “عقبة درويش”، يضع علامات سؤال على جديّة الأداء الرسميّ الفلسطيني. كما أنّ إطلاق سراح المحامي (ع،ع) وتسليمه للولايات المتحدة -كونه يحمل الجنسية الأميركية- بعد أن صدر بحقّه حكمٌ بالسجن المؤبد أواخر عام 2018، يؤثر على أي مساعٍ حقيقية للردع. يُضاف إلى هذا التساهل الرسميّ، التجاء بعض السماسرة لمن يُعرفون على أنهم “رجال العشائر”، في محاولة لتبييض صفحتهم.

وعلى سبيل المثل العربيّ القائل “درهم وقاية خير من قنطار علاج”، يدعو المقدسيون إلى استثمار أثرياء فلسطين في عقارات القدس، عن طريق شراء العقارات الأكثر عرضةً للتهديد، وتحويلها إلى أوقاف مُسجلة، لحمايتها ومنع التلاعب في ملكيتها وتسريبها.
 


من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)

لإضافة تعقيب الرجاء تعبئة البيانات

أضافة

التعليقات