ما زلتُ أحتفظُ بالوردةِ الْحَمْراء. كنتَ قدْ أهديتني إيّاها قبل سَفَركَ بيومين. أعلمُ يقينًا الآنَ أنّها لم تَكُنْ مجرّد وردةٍ، بلْ كانتْ تمهيدًا منكَ لشيء أكبر. وها أنا كلّ يوم أنتظرُ من الوردةِ أن تُزْهَرَ لكنّها تخيّب آمالي وتَذبُلُ.
حاولتُ أن أزرعها في التّربة لكنّها مبتورة الجذور، تراكَ قصدًا قَصَصْتَ جذورَهَا كي لا تدلّني عليكَ. وأنا كلّما فتحتُ الكتابَ لأخرجَ الوردةَ من بين صفحاته أتفحّصُها من جديد وكأنّي لأوّل مرّةٍ ألتقي بها وأفتّشُ بين أوراقها عمّا يحدّثني عنكَ فلا أجدُ.
قَطَعْتَ عنّي كُلّ أخباركَ وأنا ما زلتُ أحلمُ بالوصال علّني أسترجعُ أيّامًا مضَتْ معكَ. أقفُ على الأطلال وأبكيكَ في حُفْرةٍ ضيّقةٍ بالكاد تتّسعُ لجسدي.
قلبي المتيّم، إلى أينَ فارقتَني؟ هلَ مِنْ لقاءٍ يجمعُنا؟
إنّي أسمعكَ في السّماءِ العليا تنطقُ اسمي، ارجعْ إلى مكانكَ أرجوكَ، طالَ الشّوقُ لنبضاتكَ. ما الّذي أتى بي إلى هُنا؟ إنّي أسمعُ أصواتًا غريبة. لا ليست غريبة عليّ.
إنّه صوتُ جارنا يترحّمُ عليّ ويتمتمُ:" كانَ المرضُ أقوى مِنْهُ" مِنْ أينَ لكَ هذا؟ أنا أقوى من المرضِ والدّليل أنّي هُنا أسمعُ وأرى وأنصتُ إلى حديث البشر. الطّيّبين منهم والخبيثين، المؤمنين والمنافقين. وأستمعُ إلى حديثهم بلهفةٍ وهمْ يكشفون عنْ أنيابهمِ الحادّة الّتي لم أكُنْ أراها. يبدو أنّي انتقلتُ إلى مسكنٍ آخر بعيدًا عن خافقي.
لكنّه وَعَدَني أنّه سيرجعُ إليّ. وأنا أنتظرهُ حتّى أرجعَ إلى بيتي وأهلي وأترك هذه الحفرة فارغة منّي ومِنْ كلّ شيء يخصّني. لا أريد لقلبي أن يفارقني، لا أريد لدقّاتهِ التوقّف. أريدُ لهُ الخلود، الخلود، الخلود.
اتّفقتُ معه على ساعةِ اللقاء وأخبرني أنّه مشتاقٌ إليَّ وأنّه سيرجعُ إلى مسكنِهِ، فرحتُ كثيرًا وظللتُ أنتظرُ السّاعة الموعودة. فجأة وإذْ بزائرٍ جديدٍ يأتي إلى هذا البيت، إنّه فارس ابنُ عمّي أودى بحياته حادثُ سيّارة مميت.
ودّعَ الجميع فارس وذهبوا إلى بيوتهم إلّا بعض الأشخاص. إنّهم يتهامسونَ، لم أستطِعْ أنْ أفهمَ ما يقولون. إلى أن علا صوتُهم وبدأتُ أسمعُ رويدًا رويدًا حديثهم. إنّهم يصرُخون ويشتمون ويضربُ بعضُهم بعضًا. " هذه حصّتي من ميراث أبي"، " لا ليس لكَ حصّة، اغرُبْ عن وجهي وإلّا اتّصلتُ بالشّرطة". من هؤلاء يا ترى؟!. كانوا ينادون بعضهم بعضًا: سامح، كريم وعفيف.
إنّهم أبنائي. يا مصيبتاه!
أتَتْ ساعةُ اللقاءِ المنتَظرة معَ قلبي ولكنّي لَمْ أستجِبْ لندائِهِ واكتفيتُ بالصّمت حتّى رحلَ ولَا أظنّه يرجعُ!
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)
التعليقات