| 21 تشرين ثاني 2024 | 19 جمادي الأول 1446 هـجرية
  
  
  
الفجر
الشروق
الظهر
العصر
المغرب
العشاء
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0
الخميس - 01 كانون ثاني
0/0

قصّة قصيرة.. مَنْ قَتَلَ نَفْسًا..!

  2018/09/22   23:07
   حنان جواد صبيح سعادة
شارك الخبر مع أصدقائك
طباعة
أضف تعقيب

بقلم: حنان جواد صبيح سعادة

رُوحي صَعَدتْ إلى السّماءِ وَجَسَدي لا يزالُ قابعًا مكانه. لا أحدَ يحرّك ساكنًا. لم أرَ أناسًا تتراكضُ نحوي. لا أحد يستطيعُ أن يشمّ رائحةَ العفنِ المنبعثة من زوايا قلبي.

إنّهم لا يَشْعُرونَ بالشّلل الّذي أشعرُ به. شللٌ يُحطّمُ أعضاء جسدي كاملةً. لا أظنّهم يلمسونَ تبعثرَ قلبي وخفقانهِ بسرعةٍ تفوقُ سرعة الضّوء. ما زالوا يكلّمونني بكلامٍ غريب لم أعدْ أفهمه.

- "أنا ميّت افهموا يا عالم".. قلتُ لهم بأعلى صوتي ولكنّهم لم يسمعوني. أكملوا حديثهم الّذي لا يعنيني عنِ غلاء الخضار والفاكهة، ومن ثمّ انتقلُوا إلى حديث جافٍّ جدًّا ومملّ عن العمل.
لا يزالون يوجّهون الحديث إليّ. يبدو أنّهم حقًّا لا يرونَ اثار الموتِ على مظهري! أنا لا أشعرُ أنّي على الأرض، شعوري أنّي في السّماء بدأ يقلقني.

لم يمضِ وقتٌ طويلٌ على جريمة الأمس. ما زالتْ يداي ترجفُ. تُرى ماذا لو كانوا يعرفون أنّي قتلتُ ابنهم؟ نعم، قَتَلتُهُ دونَ رحمةٍ منّي أو شفقة.
تذكّرتُ الآنَ توسّل عينيه حين وجّهتُ سلاحي نحوه. كانَ مستعدًّا أن يفعلَ كُلّ ما أطلبه منه بشرط ألّا أيتّم أطفاله لكنّي كنتُ وحشًا، لم أكنْ إنسانًا.
كُلّ ما كان في بالي كيف أنتقمُ لكرامتي حينَ صَرَخَ عليَّ أمامَ النّاس لسبب لا أذكرهُ.

ربّاه أيُّ قلبٍ أحملهُ؟! كيف فعلتُ هذا؟! وجههُ وهو يتوسّل إليّ ما زالَ عالقًا في مخيّلتي. لو أنّه أمامي الآن لرميتُ سلاحي واحتضنتُهُ. ما الّذي أصابني لحظتَها؟ تراني كنتُ مغيّبًا؟ وها أنا الآن أدفعُ ثمنَ لحظةِ غَضبٍ منّي.. ليتني كَظَمْتُ غيظي!
فجأةً لم أرَ غيرَ الدّماء على الأرض وصوتُ سيّارة الشّرطة يقتربُ من المكان. طلقة واحدةٌ كانت كفيلة أن تقتلهُ.
هَرَبتُ بسرعةٍ قبل أن يراني أحدٌ. وها أنا الآن في جنازة الرّجل الّذي قتلتُ.

أحضروا التابوت.. تحايدتُ النّظر إليه، وحاولتُ أن أهربَ مِنْهُ إلى وجوهِ النّاس.. "الله يرحمه والله كان منيح ليش ينقتل؟!".. "يا حرام هذا ابنه الصغير كان مدلّل أبوه".. "يا ويله من عقاب ربّنا الظّالم اللي قَتَله".

كانوا يجلدونني مع كلّ كلمة تخرجُ من أفواههم بسوط من نار. كانت كلماتهم هذه أصعبُ عليّ من النّظر إلى التابوت، ففضّلتُ أن أخرجَ من هُنا.
ذهبتُ لأغسّل وجهي.. كُنتُ بالكادِ أستطيعُ المشي. رجلاي مخدّرتان وكأنَ عيارًا ناريًّا قد أصابهما.. وصلتُ إلى المغسلة وإذ بي أرى جثّة "أحمد" ( اسم مستعار) على المغتسل، نعم هو الّذي قَتَلْتُه البارحة. خُيّل لي أنّه ينظرُ إليّ نظرة تهديد ووعيد. هربتُ مُسرعًا، لكنّي لم أستطع التّخلّص من نظرته. كنتُ أراها في كلّ مكان، حتّى وقعتُ أرضًا. ولم أجد نفسي إلّا وأنا ملقًى على سرير في مشفى.

- "كيف أنا؟" سألتهم. قالوا: "أنت بصحّة جيّدة لا تقلق". لكنّي لم أكنْ أشعرُ جيّدًا أبدًا. كان وجهُ "أحمد" يلاحقني إلى كُلّ مكانٍ أذهبُ إليه، حتّى إلى منامي. كنتُ أخافُ أن أفتح عينيّ وأخاف أن أغمضهما. أنا لستُ أنا!

بقيتُ على هذه الحال شهورًا، حتّى وصفوا لي دواءً يميتُ الذّاكرة. كان بطلبٍ منّي ، وعلى مسؤوليّتي.
لم أعد أذكرُ أيّ شيء سوى يوم الجريمة.. نسيتُ كلّ الوجوه، إلّا وجه "أحمد" ما زالَ يلاحقني حتّى اللحظة. وها أنا أنتظرُ موتًا أهربُ فيه منه، أم أننّي سألتقيه هناك؟!!


من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو [email protected] حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)

لإضافة تعقيب الرجاء تعبئة البيانات

أضافة

التعليقات